صمت صارخ
ما زلتُ أسمع في ذاكرتي همساً لأيّامٍ لن تعود، كيف للحواس أن تُصاب بفرطِ التذكُّر، رائحة الشايّ بالنعناع، طَعم البيض المقلي بزيت الزيتون، وصوت العصافير يُرفرف على أغصانِ ذاكرتي، أتذكّر شجرة السّرو أمام شُرفة غرفتي، كانت تُعادل الرّبيع في قلبي.
آه، ولون المطر، هل كان للمطرِ لون؟
إنّني أرى الآن في كُل قطرةٍ، قُفّازاً دافئاً يحملُ كوباً من السحلب أمام فيلمٍ عائليٍّ ومزيجاً من ألوان الضحكات،
هذه الصورة التي تحفزها عقلي عند سقوط المطر.
كُنا نُجمّع بعضنا، ونأكل البيتزا المُفضلة لدينا، البيتزا التي أصبحت رماداً الآن هي ومَنْ كان يُعدّها.
أتذكّر ألوان البيت الدَافئة كلونِ الخريف، كان عيادةً نفسية وحديقةً أبهى من كوكب زُمرّدة، كان البيتُ كتفاً يحملُ قلبي الحاني، وأنا الآن عجوزٌ يرتجف، كغُصنٍ رقيق مزّقتهُ العواصِف؛ يكاد يحمل الغابات على كتفِه.
كيف لمدينةٍ بأكملها أن تضجّ بصمتٍ صارخ، الجميع هُنا مُصابٌ بالحنين، يجيء الرّيح البارد على الجنوب مُحمّلاً بالذكريات من أرض الشمال، ويهجم على أعيُنِنا هُجوم مُحتل.
سَترى عابرين عجولين يهرعون إلى هُنا، لأنّ "هُناك" مُصابة بالتهابٍ في المفاصل، وسوف تنشقّ وتبتلعهم جميعاً.
كم مرةً سيلزمُنا أن نُغادر الحقل كفزّاعة، ونرجِع إليه طيراً!
كيف للطريق أن يستعيد زائريه، ويحتفل بهم من جديد، قد أضحى بعض الزوّار جثامين، تغيّبوا عن باقي خُطواتِهم، لقد كان لديهم موعد مع الموت.
طهّروا الذاكرة والأماكن، وأنشِدوا السلام الرُّوحيّ من البداية؛ فثمّة لحظات لم نعِشها كاملةً قد دفنّاها حيّة.