لن يحول العدو بيننا وبين بركة الجمعة
جوعٌ وشحٌ في الأرجاء، مدينة الغربان السوداء يحومها طيف مجاعة يفتك بأهالي محافظات الشمال، كعادتهم يستيقظون كل فجر لتأدية صلواتهم ويدعون أدعيتهم ويتلون أذكار الحفظ، أما هذا الفجر كان مختلفاً كان بنكهة شهر شعبان الفضيل، يتهافت الجميع لنيل رضا الله وعفوه ففيه ترفع الأعمال، استيقظوا ليقتلوا شيئاً من جوعهم ببضع تمرات لم يتبقى غيرها يُباع في الأسواق، يأكلونها وفي طيات قلوبهم نية الصيام وإيجاد البركة ليومهم.
إن الغزيين وحدهم من يشرعون قوانين الثبات ينسفون قوانين نيوتن والفيزياء بقوة تتكون من العدم وثبات أقوى من جاذبية الكوكب أجمع، هم الذين يسطرون معاني الصمود، ينهون الصلاة ويبدؤون اليوم بالعمل يحيطون أنفسهم بتلاوات القرآن وآيات الحفظ، يتحصنون بقوة الإيمان، تغيثهم الابتهالات لله فقط، لم يعد يحرك الدماء في عروقهم وجبة الفطور الدسمة ولا فناجين القهوة، تلك رفاهيات الحياة وضعوها جانبًا وواصلوا المسير دونها!
يبدأ العمل بجمع الحطب والسعي لإيجاد كيلوات معدودة من طحين العلف، تبدأ الغزية "تفتل من الفجرية" فلا يصلح هذا الطحين لعجنه ولكنه صَلُح ليكون وجبة مفتول ليوم الجمعة وإفطارٍ لصيام منتصف شعبان!
ابتكرت هذه الأمهات -الجبال الصامدة- ألف طريقة وطريقة لجعل موائد عوائلها تتبارك بفضل الصيام وبركة يوم الجمعة، تقول أم العبد: "المفتول الفلسطيني وجوده أساسي على موائدنا وخاصة يوم الجمعة، أوجدناه من طحين الذرة وتناولناه بعد صيام أيام شعبان، لن يقهرنا العدم ولن يحول العدو بيننا وبين بركة الجمعة وفضل شعبان."
أما أم أحمد أخبرتني أنها اشترت ورق الخبيزة وجعلت منه أكلة "دوّالي"، وأم محمد أبهرت زوجها وأبناءها بوصفة أسمتها "ملوخية الحرب" بعد أن طبخت الخبيزة وأعدت بجانبها طبق الأرز، ليكون وجبة دسمة تدفئ أمعاء عائلتها وتكسب أجر إفطار صائمين، ولربما أجر هؤلاء الغزيّات هو أضعاف مضاعفة عند الله!
اختُتِم يوم الجمعة بتلاوة سور القرآن الكريم والصلاة على النبي وفرحة الموائد الشهية، وصينية البيتزا التي أعدتها أم عمر لتجعل من طحين "العلف" نكهة أخرى لا يشوبه طعم الحصى ولا فتات الشعير والذي لا يمكن طحنه ولا هضمه!