الكابوس المستمر
كل نبتة، كل ريشة، هي انتصار صغير على الموت. هنا، على حافة الهاوية، أزرع لأقول لنفسي: إن كان هذا العالم على وشك الانطفاء، فإني سأزرع نجمة أخيرة، لعلي أراها في ليل طويل.
في ظلال الكابوس المستمر، أزرع ولا أنسى أنني أعيش في حضرة الموت. هنا، تحت عبث الصواريخ، أغرس الذرة، أغرس الفلفل والريحان، وكأنني أغرس قلبًا جديدًا في تراب ذاق طعم الحزن ألف مرة. بين خيمتي وهذه الأرض المتعبة، أرسم خريطة صغيرة للحياة، بسيطة، لكنها تتحدى الفراغ.
الريحان ينمو بصمت، كذكرى عابرة من زمن لم أعد أملكه. رائحته تُنبت في رأسي قصائد قديمة، عن زمن كان لنا فيه مكان تحت الشمس. أما الذرة، فهي قصة أخرى. قصبها ينمو باتجاه السماء، يحاول أن يكسر حاجز الغيوم الرمادية التي لا تبرح سماءنا. كل ورقة خضراء، كل بذرة تتفتح، هي شهادة أن الحياة لم تهزم بعد، وإن كان الحصار لا ينتهي.
أمام خيمتي، تنمو الكزبرة والبقدونس والفول، كأنها تكتب على وجه الأرض رسالة لمن يمر هنا: أن الذاكرة قادرة على استعادة الخضرة، مهما كانت الأقدار قاسية. أنا أمشي بين هذه النباتات كما لو أنني أراقب أطفالي، أنحني لأتذوق لحظة هاربة من هذا الحاضر الثقيل.
وفي الزاوية الأخرى، هناك الصيصان الصغيرة، تنقر الأرض بحثًا عن حياة أفضل. تملأ الهواء بصوتها الخافت، لكني أسمع فيها نداءً بعيدًا، نداءً يدعوني أن أحتفظ بحلم العودة. ريشها الناعم يذكرني بأن النعومة لا تزال ممكنة، حتى لو كانت تحت ظل السماء الملبدة بالخوف.
كل نبتة، كل ريشة، هي انتصار صغير على الموت. هنا، على حافة الهاوية، أزرع لأقول لنفسي: إن كان هذا العالم على وشك الانطفاء، فإني سأزرع نجمة أخيرة، لعلي أراها في ليل طويل.
- نشر أولا في موقع قصص من غزة (المصدر)