أُحدِّثك لا بصفتي أفهم منك أو أعلم، ولا الأكثر خبرة بين أقراني. بل لأنني شخص شاءت الصُدَف أنهُ وجد قبلك. الآن تُقبِل على عالمنا، أهلا وسهلا بك في الشساعة التي تستوحِش فيها تارة وتستأنِس بها تارة أُخرى. أهلا وسهلا بك، حيث القوانين والتشريعات والتنظيم والحضارة، حيث بنينا نظامًا مُتكاملًا لا ينقصنا فيه شيء. أهلا وسهلا بك في ربوع العدل والمساواة، حيث تسهر على تطبيقها لا مُنظمة واحدة، بل الآلاف منها. ووضعنا في كُلّ شارع شرطيًا يسهر على سَير العدالة. أهلا وسهلا بك في عالمنا الذكي.
وصحيح، كدتُ أنسى، نُخطط لزيارة الفضاء بشكل دائم. نعم كما سمعت، انهينا عملنا هُنا وصار الكوكب مملًا لفرط ما سار القانون فيه وطُبِّق، ختمنا العدل. نُريد أن ننشره في الكون كُلّه. قد لا ألحق أنا بذلك وتكون أنت من الجيل الشاهد على الغزو الحضاري للكون، لكن قبل أن تفعل، احفظ رأسك.
احفظ رأسك، وأنت ترى الزَيْف الموجود في عالمك، كيف يبيعون ويشترون، كيف ينزل البشر إلى سوق العبيد طوعًا، كيف تُزيّف الحقائق أمام عَيْنَيك. احفظ رأسك، تحصَّن خلفه ومن خلاله، لألّا تصير دُمية تُباع في سوق الألاعيب. احفظ رأسك، وانت ترى الدول التي تحصد خير الهواء والتُربة والماء، تجتمع في قمّة مُناخ. كيّ لا تُصدّق أن عالمًا حُرّا يُصفِّق في مشهد مسرحي، لقتل الأطفال. كيّ لا تعتبر حضاريًا من يراك سوقًا لتصريف انتاجه، ومتى ما أراد تُقلِع طائراته لقتلك. احفظ رأسك، عندما تنحشر فيه صور الأبنية المُدمّرة والأشلاء المُقطّعة، عندما يسمع عن طفل قطعوا عنهُ الماء وآخر قطعوا عنهُ الهواء. احفظ رأسك، سترى العجب، سيقتحمونه ويُلوّثونه بأفكارهم، سيُحاولون مرارًا وتكرارًا تسييرك مع الكثير مثلك كيّ تقول ما يُريدون وتُردد دعايتهم، سيكون رأسك سوق يُباع لها أحطّ أنواع السلع كيّ تبقى في دائرة الإستعباد. احفظ رأسك، سيقولون لك العالم ليس بغابة، لكنهُ كذلك. سترى الكثير من التماسيح التي تجرّك إلى مستنقعها، والكثير ممن يُنصّبون أنفسهم ملوكًا عليك وعلى ترسانتك الفكرية. احفظ رأسك، سيملؤونه بالشعارات الكبيرة، سيُفهمونك أن حتى سلاحف البحر حقوقها مُصانة، وسترى كيف يُحرم الأطفال من لعبهم، أحلامهم، بل حياتهم بالكامل.
احفظ رأسك، نعيش في بحر من الأكاذيب.
- نُشرت أولا في حساب أحمد دقة على إكس بتاريخ 3 ديسمبر 2023 (هنا)
