رسائل الحرب التي لا تصل
أحاول الاتصال بكِ كثيرا، فيم ترد الاسطوانة اللعينة بأنه لا يمكن الوصول، أجرب كثيرا، أرسل الرسائل، وقلبي يحدثني أنكِ بخير
عزيزتي هناء:
وجدت في مسوداتي القديمة رسالة لك في شهر مايو السابق، كانت حربا قصيرة آنذاك، وكان يوم سبت، وقلت لك أنني لم أشعر بيوم الجمعة كيف مر علينا، لم أشعر به أيضا ٱمس، أنا لم أعد أشعر بشيء ياهناء.
هل لازلتِ بخير؟
أحاول الاتصال بكِ كثيرا، فيم ترد الاسطوانة اللعينة بأنه لا يمكن الوصول، أجرب كثيرا، أرسل الرسائل، وقلبي يحدثني أنكِ بخير.
هل تذكرين العالم القذر الذي كنا نتحدث عنه، اليوم صار واضحا جليا، يبرز أسنانه المشنشرة، ويطلقها ليل نهار، العالم القذر يدعم كل شيء خارج الفطرة، خارج الحقيقة، عالم لا يمثلنا يا هناء، لذلك لن ننتظر منه شيء، لقد تشدقوا كثيرا بشعارات كاذبة السنين الفائتة.
هل تجدون الخبز؟ علب الفول والفيتا؟ هل تشتاقين إلى سلطة خضار غنية مع أفوكادو بزيت الزيتون، هل تذكرين صحن الكنافة الذي تناولناه في ساق الله، لقد دمروا المحل حينما دمروا برج وطن، دمروا الوطن وبرجه وبيوته، ما تركوا شبرا ياهناء نمشي فيه ونحن نبايع الصداقة التي تكونت مؤخرا بلا أي ترتيبات.
هناء:
أنا أحتاج للحديث طويلا، وللبكاء أكثر، لكن ليس لدي هذه الرفاهية، لا وقت للحزن، لا وقت للبكاء، ولا وقت للشوق حين أتذكر بيتي الذي تركته في غزة المنكوبة، فأبتلع دموعي وأشربها بدلا من المياه المقطوعة.
لقد جربت العجين والخبيز على الحطب، وجربت الغسيل في طشط كبير، وجربت الطبخ بكميات كبيرة(عدس_فاصولياء_ مكرونة)، شعرت بوجع شديد في ظهري حين تركت سريري المحبب، ومخدتي المفضلة، ووجع شديد في قلبي حين أتذكر أن شهرا مر علينا ونحن لسنا في البيت، البيت ياهناء، هل تذكرين بيتي؟
كل شيء في البيت له دلالة، مكانة، قيمة، الجدار الفارغ له قيمة، الصور الموجودة في البرواز الخشبي لها قيمة، القطع المتناثرة هنا وهناك، التفاصيل الصغيرة التي تأسرنا، اللوحة الموجودة خلف مكتبي أيضا، كان مكانها مبررا، لأنني من هناك كنت أتابع محاضراتي الالكترونية لبرنامج الماجستير، لقد اعتقدت مؤخرا أنني من حقي أن ٱطمح وأن أكمل دراستي العليا، بالأمس أرسل لنا بعض الجيران المتبقين في الحارة صورة للبيت والشبابيك مكسورة، فرحنا كثيرا، المهم أنه لا زال واقفا.
تقول أمي وكل النسوة: الحمدلله احنا في نعمة، احنا أحسن من غيرنا.
هناء العزيزة:
أعرف أن ما يحدث حولنا صعب جدا، موت شره، موت معلق، غول يبتلع كل شيء، وأعرف أن الكلام صعب، والسكوت صعب، وأعرف أننا نخاف، نخاف من كل شيء، نخاف على أحبتنا، وبيوتنا ومصيرنا ومستقبلنا، نخاف على بلادنا الحلوة التي تهشمت، نخاف لأن قلوبنا بلغت الحناجر، ولا غالب إلا الله ياعزيزتي.
- نشرت أولا في قناة حديث الحياة والحرب لـ هبة الأغا (هنا)
