عن انقطاع الاتّصال مع صديقتي في غزة
انقطاع الاتّصال مع سُميّة كانت ليلة من جحيم، صديقتي سميّة من غزة تحدّثنا لعدّة أيام فقط خلال فترة حِصارها في مستشفى الشّفاء، ولكنّها قالت لي: "ولا عُمري بنسى وقفتك جنبي" فقط لأنني دعوتُ لها..لكنّها كانت وحيدة، ودون أهلها، وخائفة، وجائعة، وهكذا في أيّام قليلة أصبحنا رفيقتَي حصار ودعاء.
يوم الأربعاء 20 ديسمبر 2023 شاهدتُ صدفةً خبر مُناشدة عائلة عنان لإخراج النّساء والأطفال بعد إصابتهم ونزفهم وبعد إعدام عشرات من الرّجال أمام أعينهم.. وعلمتُ أنّ هذه عائلة صديقتي سُميّة، قضيتُ ليلةً من جحيم وبُكاء مُر، وكأنني أُشاهد بعينيّ الإعدام وأسمع صوت الرّصاص، كأنّ الجُدران حولي ملطخة بالدّماء، ساعاتٌ فهمتُ فيها حتّى العُمق كيف يعيش الغزيّ في صُندوق من القلق والفقد والحنين، ساعاتٌ فهمتُ ذاكرة الألم والمأساة، وأنا عشتُ بضع ليالٍ منها فقط.
قُرابة اليوم لم نستطع الوصول إليها ولا بأيّ شكلٍ كان، جنونيّة فكرة ألّا تستطيع معرفة إن كان شخص ما يتنفس أم لا! الموضوع بهذه البساطة! علمتُ البارحة أنّ سميّة وأولادها الأربعة الجميلين بخير وأنّها لم تكن مع أهلها، فرحتُ لنجاتها من الموت، وبكيت أكثر على نجاتها دون أهلها، وعلى كلّ من نجا وسيعيش ليبكي من مات، تدوينتي لا تعني شيئًا أمام من انقطع عن أهله لعشرات الأيام، أبيه وأمّه وإخوته روحه ومن اكتشف بعدها أنّهم استشهدوا جميعًا، لكنني لستُ بحاجة لأن أعيش ذلك حتّى أحسّه وأفهمه.
قطعُ الاتّصالات بمثابة قطع الأوكسجين عمّن هم في غزّة ومن هُم في خارجها لا يستطيع الإسعاف التّحرك إلى وجهة محددة لا يستطيع أحد أن يقول فلان استشهد لا يستطيع العالق تحت الأنقاض أن ينجو بأنفاسه الأخيرة، لا يستطيع الصحفيّ أن ينقل للعالم صورة الموتِ في كلّ زاوية، لا يستطيع المُغترب أن يسمع حتّى صوتًا من البعيد يقول: "إحنا بخير يمّة تقلقش" قطع الاتّصالات هو ذبحُ غزّة ولكن بصمت..دون أن يُزعج أيّ صوت القاتل.