عندما بدأت حرب 2021، كانت ابنتي إيلين لم تتم عامها الثاني بعد، وقبلها بيومين أصيب مجد زوجي بفيروس كورونا والتزمنا بروتوكول الحجر في منزلنا، كانت تعيش ثلاث عائلات في المنزل، واضطررنا للانعزال التام كي لا تنتقل عدوى الفايروس، قضينا الأيام الأولى في سبات تام ننام من التاسعة مساءً نحن الثلاثة حتى التاسعة صباحًا في اليوم التالي.
منذ ولادة ابنتي، كانت إيلين طفلًا صعب التربية -وما زالت- كانت تبكي على كل الأشياء، ولا تكف عن الصراخ، كانت ذكية ولامعة وصاحبة حضور قوي، وتكلمت في عمر مبكر جدًا.
للأمومة اسم آخر وهو "الشعور بالذنب"، تجربتي الصعبة مع إيلين جعلت من بكائها وصراخها سببًا لجلد الذات، أحاول معالجة الأمر، وأسميه بعقدة الطفل الأول، وسأتحدث عن هذه النظرية فيما بعد، كوني الطفل الأول لوالداي أيضًا، قضت إيلين ساعات كثيرة في البكاء، ساعات إضافية كثيرة عن المعدل الطبيعي لبكاء الأطفال، حيث لا يفعل الأطفال شيئًا سوى البكاء.
لنعد أدراجنا إلى سرد القصة، بعد عدة أيام كان هناك ليلة جنونية على شمال قطاع غزة منطقة الكرامة تحديدًا -أصبحت من المناطق الأكثر شهرة بتهيألي بعد حرب هذا العام- الساعة الثانية فجرًا احتمت العائلة كلها في البودروم، وقمنا باللحاق بهم، رغم كوننا لم ننته من الحجر، وما زلنا نحمل الفايروس، في تلك الليلة استيقظت إيلين فجرًا ورأت المشهد، حيث منعناها أنا ومجد من الاقتراب من أولاد عمها "ورد وإيليا" ورأت الفراش والوسائد، وسمعت الانفجارات كلها، وشعرت الفزع وقرأت الخوف في عيون الجميع.
في اليوم التالي، عدنا للنوم في بيتنا في الطابق الأول من جديد، استيقظت بدون سبب الساعة الثانية فجرًا، وجدت إيلين التي بعادتها لا تعبر عن نفسها إلا بالبكاء في أغلب المرات تنظر إلى سقف الغرفة بكل هدوء انتظرت لبرهة من الزمن لكي تبدأ بالبكاء ولم تفعل، وعندما لم تفعل انفجرت أنا بالبكاء، حينما تمامًا، أدركت أن إيلين ليست على ما يرام!
بعد عدة أيام، قُصف بيت في الحارة، يبعد عن بيتنا عدة مترات، هرعنا إلى البودروم مجددا، وغنينا للأطفال وقت صوت الانفجار أغنية "ماما زمانها جاية".
الآن وحين أرى مصادفةً، فيديوهات الأطفال وهم يرتجفون ولا يبكون، أفزع وتتسارع دقات قلبي وارتجف، عندما لا يبكي الأطفال، افزعوا!
وتذكروا أن فيما يخص حبكة غزة، "ماما" لا تصل في آخر القصة.
