0%

فهل سيطول بنا هذا الواقع؛ لتبدأ به غزة حياتها من جديد؟



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 5 دقيقة

من أين ينشأ ذلك الإحساس الوهمي لدى الناس في بداية كل عام، بأن غدًا سيكون بدايةً لزمن مختلف، الزمن هو الزمن موجة واحدة لا تتجزأ، نهاية ديسمبر هي مثل بداية يناير، لن يحدث أي انقلاب مفاجئ في الحياة خارجك، أنت وحدك من تعيش هذا الوهم داخلك، وتعتقد أن زمنًا جديدًا سيبدأ في الدقيقة الأولى بعد الساعة الثانية عشر ليلًا من هذا اليوم.

لقد تمكن الإنسان من تقطيع الزمن وتحويله لتواريخ وأرقام وساعات وأوقات ومناسبات؛ بشكل يخلق إحساسًا وهميًّا لدى البشر بأن هذه الوقفات تحمل تغيرات حاسمة في الحياة، وتبث شعورًا متجددًا لديه، فهذه التقسيمات المصطنعة للزمن تجدي في التعاملات الوظيفية وترتيب المواعيد؛ لكنها تغدو رمزًا لبؤس الإنسان حين يعلّق عليها آمال وأحلام، ويعيش مأسورًا بها، ويحبس أنفاسه بداية كل عام منتظرًا انبثاق كون جديد أو ولادة إنسان مختلف داخله.

لا بأس توهموا كما شئتم، من قال أن الأوهام سيئة دائمًا، انتظروا الدقائق الأولى للعام الجديد؛ كي يهبط عليكم الوحي، وتنقلب حياتكم في غمضة عين.

في الحقيقة لسنا وحدنا من نقتات على أوهام الزمن هذه، حتى إنسان العالم المتقدم يعيش هذا الخواء المرعب في المعنى، ويحتاج إلى مثل هذه الأوهام ليستشعر إحساسًا جديدًا بالحياة، أما نحن فمعذورون أكثر منهم، ونحتاج إلى كثير من أوهام الفرح وبواعث الآمال لنتشبث بالحياة، مدننا فارغة من الأفراح، ونعيش حياة بلا مسرات، مرهقون، متعبون جدًا، وحياتنا فارغة من المعنى، ولهذا نحن بحاجة لأي إشارة تفاؤل تلوح في الأفق كي نتمسك بها، تعيد وصلنا بالعالم، تخفف وحشة الاغتراب، وترمم شيئاً من المعنى المتصدع في أعماقنا.

هكذا تواطأت البشرية على خلق هذه الخدعة الزمنية، حتى أينشتاين نفسه لم يتمكن من تبديد وهم الزمن على الصعيد النفسي، وها نحن نلهث خلف العالم؛ كي نقول له نحن أحياء مثلكم ولنا أحلامنا المشابهة لأحلامكم ولسوف نحتفل كما تحتفلون، ستذهبون للمسارح، لشواطئ البحار، لدور السينما، وتقيمون حفلاتكم الخاصة والعامة، وسوف نتابعكم من خلف الشاشات، ونبتهج مثلكم ويسيل لعابنا لحياة تشبه حياتكم، وفي الصباح ستذهبون لأعمالكم فرحين وبغبطة جديدة، وسوف نستيقظ على واقعنا المحطم، ننتظر فيه

متى توقف الحرب قذائفها؛ كي نبدأ الحياة؟


الوسوم

شارك


x