0%

حلم عربي.. أغنيات لغزة



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 10 دقيقة

ليلةٌ ظلماء جديدة.. أقرأ فيها الأخبار، وأردّد أُغنية الحلم العربي "جايز ظلام الليل يبعدنا يوماً إنما.. يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما.. أجيال ورا أجيال هتعيش" لم أكملها إذ لمَحتُ أحد الفيديوهات لشابٍ رُبّما لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره يَضمُّ في حضنه جثّةً ويبكي، توقّف لساني عن النطق، ثمّ عادت الأُغنيّة من جديد إلى ذهني "دا حلمنا طول عمرنا.. حضن يضمنا كلنا كلنا"، تشتّتُّ قليلاً، لم أكن أفهم معنى أن يبكي شاب في هذا العمر، وعلى صدره جثّة، لأجد أنّه يضمّ زوجته، وكان لم يمضِ على زواجه سوى بضعة شهور.

 

أكملت الخبر.. عادت الأغنيّة من جديد إلى ذهني "الحلم ما هو مستحيل، ما دام تحقيقه مباح" كان خبرًا آخر عن طبيب تخرّج حديثًا، كان يريد أن يصبح أخصائيًّا رائعًا، وأن يسافر ويجول العالم، وكان قد سأل أحدهم عن أفضل مدينة ممكن أن يقيم بها، لكنّه استشهد في قصف على أحد الأبراج السكنيّة قبل أن يحدّدها.

 

عدتُ من جديد، أبحث عن خبر لوقف إطلاق نار، ذهني لا يبحثُ عن سواه، أيتحرك العالم؟
حقوق الإنسان؟ لا بدّ أنّ أحدًا قد قرأ خبر الطبيب الشابّ قَبلي، ألم ينخلعُ قلبَ أحدهم؟

 

عادت الأغنيّة، "محتاج العدل للقوة، علشان تقدر تحميه.
ولا عمر بكلمة وشكوى، حق بيرجع أراضيه"
توقّفت.. كان منشورًا لشابّ مُحاصَر، قوّات الاحتلال حاصَرت المكان وبلا تبليغ للإخلاء حتّى، كان يضحك في المنشور ويقول حوصرنا،
كأنّه يسرد واحدة من قصص يومه العاديّة
تجمّدت، من أين يأتي هؤلاء الناس بهذه القوّة؟

 

"دا حلمنا طول عُمرنا..
حضن يضمنا كلنا كلنا..
أطفالنا بكل مكان، ضي عيون الأوطان
الحق الحب الخير، رسالتنا في كل زمان"..
كانت هذه المرة صورةً لطفلٍ محمول على كَتفِ والده، كان يضحك.. أكملت الخبر.
هذا هو الصباح الأجمل منذ 90 يوما، التقى مهند أبو ندى بوالده، ضاع ابن السنوات الثلاث، بعدما اقتحمت الدبابات الإسرائيلية مركز الإيواء الذي كانت تقيم فيه عائلته.

وجدته عائلة كريمة في منطقة اشتباك خطيرة، ولم يقل خلال تلك الأيّام إلّا جملة واحدة "أمي طخوها اليهود، وأبوي دعست عليه الدبابة"، صدق مهند في الجزئيّة الأولى، وأسقط ما رآه في منطقة الغزالي التي تاه فيها على والده.
ما معنى أن يضيع الأطفال في حربِ إبادة؟ ألا يجب أن يضيع فتى في مثل عُمرهِ في مدينة الألعاب مثلاً؟ فيجده والده هناك، وهو يردّد أريد أن ألعب المزيد؟ أو أن يقول رأيت أمّي تشتري كعكة لي مثلاً؟

 

تشتّتَ تركيزي من جديد.. أبحث عن وقفٍ لإطلاق النار، حقوق الطفل! بالتأكيد قد رآه أحدٌ قبلي.

 

"والغنوة في كل حدود، ووطنها هو القلب
وما دام عايشين هنغني، ومدام قادرين هنحب.."
صورة لعائلة تتكوّن من أب وثلاثة أطفال، يكمن في عين كلّ واحد منهم معنى الحياة.. يبدو عليهم الحبّ والسعادة، كنت أقرأ وأبتسم حيث كتبت نور قائلة: [زي اليوم من ٩ سنين..
رحنا عالمحكمة طلعت مسكرة..
وحكولنا بتفتح يوم الأحد..
بلال ما رضي وقف مع راجل، وسألو وين بيت القاضي!
قلهم توكلو ع الله..
يلا ع دار القاضي والكل صار يضحك…
كان وما زال هاليوم أحلى يوم بعمري كله..
ذكرياتي الحلوة معك من أول الطريق حتكفيني أكمل حياتي كلها مغمورة بحُبك وحنانك وغلاوتك حتكفيني بإذن الله]
أكملت قائلةً: [الملتقى الجنة يا قلبي، الشهادة بتلبقلك يا نور العين.
الشهادة بتلبقلك، انتهى، تجمّدت.

 

"الحلم ما هو مستحيل، ما دام تحقيقه مباح
والليل لو صار طويل،
أكيد من بعده صباح.."
كتب أحدهم: حزام ناري عنيف يضرب أبراجاً سكنية في منطقتنا المجاورة، الله يسترها معنا هالليلة، ادعولنا يا جماعة هاي أصعب ليلة بتمر علينا.

 

المنشور اللاحق: [وفاة فتاة فلسطينية من غزّة في الغربة إثر جلطة قلبيّة؛ لأنها لم تتحمّل مشاهدة الأحداث].
لم أستوعب الخبر، مما جُبل هذا الشعب لكي يذوق كلّ أصناف الموت؟

 

يضرب شريط الأُغنيّة في ذهني من جديد..

 

"كلمة صدق في أغنية ..تتقال و تعدي في ثانية
جايز من بعد سنين ..تتغير بيها الدنية"

 

كان المنشور الأخير الذي قرأته في تلكَ الليلة قد كُتب من خارج غزة: [لَا يَنسى قَهرَ أخيه إلَّا مُخاذِلُ،
الخِذلان طَعمه مُر ..
لا تنسوا أهلنا بغزة يخوان دخلنا باليوم التسعين للعدوان الناس بتموت من الجوع قاعدة ]
ردَّ عليه أحدهم، وكان يبدو على مَلامحه من بعيد أنّه لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره [لم أعتد شيئاً.. أنا لي ثأر.. الأمر شخصي.. كل هؤلاء أخوتي، وهذه قضيتي]..

 

عادت أُغنيتي عن الحِلم العربي من جديد:

"من أي مكان في الأرض ..ناطق بلسان الضاد
وبأعلى الصوت والنبض.. بنقول الوحدة ميلاد
دا حلمنا طول عمرنا.. حضن يضمنا كلنا كلنا"


الوسوم

شارك


x