0%

رغبات تقتلها الدبابة



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 4 دقيقة

إن الصورة من بعيد قد تبدو مُجرّد ساحة معركة، ملؤها الدمار والأعمدة الدُخانية وزخرفات عجلات الدبابة على رمل الطريق. لكن، خلف حمم اللهب المُتطايرة وسُعار كلاب العدو، ثمّة حكايا بعضها لا يجد طريقًا لكي يُروى، ثمّة الكثير من الأصوات التي يخنقها الدُخان وقذائف الفوسفور. بعضها وُلد وقُتِل، والبعض الآخر كان في طريقه لأن يولد، إلّا أن نعال الجنود الغليظة منعتهُ عن ذلك.

كمّ طفل مثلًا، من هؤلاء في غزّة، كان يتحضّر لامتحان، كان يُريد أن يُبدِع ويتألّق ويُحقّق حُلمًا، كمّ طيّار وممرّضة وطبيب وعالم وكاتِب ورسّام، كان يُريد أن يُصبِح؟ كمّ أب وأم وعائلة سعيدة كان لا بُدّ أن يَنشأ؟ كمّ لوحة احترقت وصارت رمادًا في الحرب وفي مُقابلها أردأ منها عُرضت في المعارض العالمية. كمّ نصّ كُتب على أصالته وحقيقته، دُفن تحت رُكام البيت بدلًا من عرضه في مكتبات العالم، عوضًا عن الرفوف المليئة بالكذب والأبطال الزائفين. كمّ أطروحة علمية كان يُراد لها أن تحطّ رحالها في المُجتمع العلمي.

كمّ من اللحظات الدافئة تحت سقف بيت هزّتها ضربات الطائرات ونزعت الدفئ من صدور أصحابها. كمّ مُعلّمة وصانعة رأي، كانت تتحضّر لاعتلاء المنبر فأردتها رصاصة القناص قتيلة. كمّ رغبة، فتحت يَدَيْها للعالم فصُلبت على مذبح الوحشية التي صارت روتينًا يوميًا. كمّ يوجد من الوحشة والوحدة في قلب يتيم، عدّ ضحايا عائلته واحدًا تلو الآخر بعد أن ألبسهم الأكفان ووضعهم في حُفرة ليصيروا غُرباء بلا ضريح أو مكان يتكأ عليه الرأس للبُكاء. كمّ حلق شعر بالجفاف وصارت شُربة الماء إعجازًا.

خلف هذا الدمار، والكوابيس المُترامية، والوحوش التي تزور الأحلام، ثمّة الكثير من القصص، العادية والعظيمة، الطبيعية والمجنونة، يحقّ لها أن تعيش. ليست ورقة تُطوى من كتاب، ليست تعدادًا في السجلات التاريخية، ليست أرقامًا.


الوسوم

شارك


x