0%

شتاءٌ بلا نوافذ



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 9 دقيقة

حسناً ديسمبر شارف على الانتهاء، وفي ديسمبر تنتهي كل الأحلام، أو تبدأ لا أعلم، لكنه هذا عنوان لازمنا لرواية أثير النشمي، وبات متداولاً على ألسنتنا، شتاء بارد وبرق يلمع ترى السماء تجهز أنفسها لرزق وفير والأرض تخضر في زمن قلَّ فيه الخضار بنفسج، ورق خبيزة، لوف، وشقائق النعمان هي نتاج روية الأرض ننتظر هذا الفصل بكل شغف، ونعد طقوسنا حول المدفأة، ونرتب حبات الذرة المشوية نلملم الحطب من ثنايا الأرض، ونبتسم للصغير ونغني له أغاني شتي يا دنيا، ونضحك كأننا أطفال مثله، ثم يحل الظلام دامساً أسود لا معنى له ظلام مقيت وبرد ينخر الأجساد من يضمد جراح غزة؟ ومن يدفئ هذه القلوب البادرة المظلومة؟ أي أغطية تلفهم وكيف تتماسك الأيادي الباردة، وتغفو العيون المرهقة!

هل ما زلنا نجمع الحطب لنحتسي كوباً من الشاي بميرمية أم أن النار باتت لهيباً على أرواحنا أي ظلم هذا الذي حل بنا وأي عدو هذا الذي يتفنن بأنواع العذاب.

شتاء بلا نوافذ فالبيت استبدل بالخيمة ذات أقمشة مهترئة يهزها الريح، وتبللها الأمطار مفروشة بأغطية بلاستيكية لا تصلح لتغليف كمشة ورد وكوب ماء بالصدفة عبأه من الأمطار راويا عطشه وعطشنا ورغيف خبز بعد رحلة طويلة من الوقوف على الطابور وطفل يبكي في الزاوية وأكفان تلمنا وشلال دم لا ينتهي وبرد قارص ينخرنا نبكي على شبابنا الضائع، وعلى ضفائر بناتنا المكشوفة نبكي على قهرنا على صمتنا على روحنا المخنوقة، ونستذكر وصايا الشهداء وأحلامهم نتفقد ما بقي منا، ثم نجلس للبكاء لم لا نحاكي قصص صبرنا ولم لا نصرخ؟! هل ماتت حبالنا الصوتية؟ أم إننا منسيون كيف عدنا إلى الزمن القديم مع أننا بعصر النهضة كيف لملمنا قوت يومنا من حبات عيوننا وجهد تعبنا، وأصبحت أمنياتنا كيس طحين وكأس ماء نظيف أي حياة هذه؟ كم من الوقت سنحتاج لتلتئم جروحنا! هل الأيام تشبه بعض؟ ما اليوم ما خطة الغد؟ اللعنة بات كل شيء بلا قيمة بلا معنى بلا هدف!
درسنا القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ومبادئ حرية الرأي والتعبير، لكن الآن نادمة على كل لحظة أضعتها وأنا أصغي إلى معلمتي في درس التربية المدنية، وهي تقول الحق في الحياة والحق في العيش والحق في المأكل اللعنة! باتت هذه الحقوق معدومة لا حياة في غزة ولا مأكل وصراع طويل لم ينته بعد!

الصور تتكلم وأعلم أن الصورة أبلغ من الكتابة، لكنني أكتب؛ لأن من حقي حرية الرأي والتعبير في فضاء كهذا مكتوم الحريات، ويخنق صدورنا الصور لو نطقت لتألمت والمشاهد التي نراها لا يقوى أي جنس بشري على تحملها في غزة جغرافيا لا نعلمها رجال لا نعلم بأي مدارس يتعلمون أساتذة لا يدرسون كمناهجنا وأمهات تقتلع الزعتر بيد وبيد أخرى تربي، وتعلم في غزة بيوت ممتلئة بالأحلام وأطفال أبرياء ونسوة يعدن دروس الصبر بين ركام المنازل ودخان الموت والجثث الملقاة على الجانب الآخر والنور يختفي من المنطقة ليحل مكانه رعب الصواريخ وآهات الأطفال وصراخ الأحياء في غزة لا وقت للنوم ولا مكان للراحة وجميع أنواع الضوضاء والضغط النفسي والجسدي تلاحقك.

هذه الأرواح البريئة تستحق أن تعيش، وهذه الأحلام يجب أن ترمم وتنهض من جديد، وهذه العقول الذكية يجب أن تستمر بعطائها لا أن تخمد، وهذه غزة التي نحبها بدمارها بعفويتها بروحها ببيئتها هذه غزة وهذا الوطن.

يعلمنا هذا الشتاء أن المنزل مهما كان سيئا هو أفضل من الخيم الملقاة على حواف الطرق، وأن المياه الصالحة للشرب هي نعمة يجب أن نحافظ عليها، وأن نوافذ البيت هي حلم للغزي، مؤذية الحرب بكل أشكالها بكل تفاصيلها في هذا العالم القاسي الذي لا ينصف أحد، لكنني على يقين أنه سينجب طفلاً من بين الركام يتلو بصوته آيات من الذكر الحكيم ليصل بعد زمن إلى القدس، وهذا ليس ببعيد ستعلو الدعوات ونصلي من أجل النصر، ونحتفي بديسمبر دافئ وأرواح طيبة تضحكنا سنحب الحياة من جديد، فهذه الأرض خلقت للفلسطينيين وحدهم ولا مكان لأحد غيرهم سنحتفل بالنصر، ونرفع ورق الزيتون الأخضر، وستعلمنا غزة معان قيمة لم ندرسها قط بأيامنا وحياتنا، غزة التي نحب ببحرها ومعالمها وضحكات أهلها ستعيد لنا المجد، وسترفع راية النصر هذا وعد الله، وهذا إيماننا وإلى الله أمنياتنا وصبرنا


الوسوم

شارك


x