0%

قلبي وقِدر المقلوبة المُحترق



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 5 دقيقة

بكت أمي اليوم بكاءً شديداً، بكاء المقهورين المُتعبين، أُمي التي يشهد الجميع على ما تصنع يداها الجميلتان، بَكَتْ بعد أن احترقت طبخة المقلوبة "الكذابة" قبل تسويتها بالكامل، بكَت رغم أن احتراقها لا يد لها فيه إنما عدم قدرتنا على إيجاد قدر مناسب للطبخ بعد نزوحنا للمرة الرابعة لما يُفترض أن يكون المحطة الأخيرة "رفح".

لم تَكُن المقلوبة وحدها من احترقت اليوم، كان في البدء قلبي، بعد أن شاهدتُ طفلاً جميلاً، هندامه نظيف ومرتب، كان يحمل قِدر صغير الحجم ذاهباً لملئه ببعض الطبيخ من مكان يبدو أنه لإغاثة الناس بوجبات من الطعام، كان عائداً والمكان يَعُج بالكثير ممن يحملون الأواني ملوحين بها نحو الأعلى، بكيتُ في هذا الصباح بكاءً لم أبك مثله طوال هذا الكابوس، أكثر من كُل المرات التي تلقيت فيها أخباراً مُفجعة للأصدقاء والأحباء، بكيتُ لأن الطفل كان يضحك، بكيتُ لأنني لو كنت مكانه لانفجرت من البكاء، لكنه جاء يضحك وواصفاً المشهد ب "موت أحمر".

هل يَعي ذلك الطفل؟ ما معنى موت أحمر ليصف بها مشهداً مثل هذا؟
كيف خرج من هُناك وهو يضحك؟
ولماذا يضحك من الأصل يا الله!

لم تبكِ أمي؛ لأن طبخة المقلوبة لم تنجح، بكت لأن المقلوبة انتهت في سلة القمامة، حاولنا جميعنا إقناعها بأن الله يرى ويعلم حالنا، ويشهدُ بأننا حاولنا أكلها، لكنها ورغم كل ما قلناه استمرت بالبكاء، بعد أن حاولت تهدئتها وأنا أبكي بكاءً مختلطاً بقليل من الضحك الخفيف، ذهبت هي والدمعُ يملأ عينيها، ومَدّت سجادة الصلاة تبكي لله وتطلب مغفرته، وأنا ما زلت في صدمة من أمر أمي أنها ورغم ما تجرعته من ألم فقد عائلة بأكملها من أقاربها وهم أغلى وأقرب عائلة من طرف أُمي على قلبي وقلبها، تبكي وتطلب من الله أن يُسامحها لأن الطعام أُلقيّ في القمامة!

أما أنا، ورغم جوعي الشديد لرفضي تناول وجبة الإفطار بعد بشاعة ما رأيتْ، ورغم أن المقلوبة هي وجبتي المفضلة في أيام الجمعة، إلا أنني عهدتُ شكلاً جديداً من الفرح، فرحٌ لا يُشبِه أي فرح عرفتهُ في حياتي ولا حتى قبل الحرب، فرحتُ لأننا اليوم نحنُ وعائلة هذا الطفل سواسية.

 

اقرأ المزيد ...

اطلع على المزيد من قسم تدوين


الوسوم

شارك


x