لن أغفر لكل من رأى وسمع وشاهد وصمت
كانت حياتي ما قبل الحرب جميلة في قطاع غزة، إلى أنْ جاءت هذه الحرب اللعينة، تغير كل شيء..
في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب مكثنا في منزلنا، على الرغم من صعوبة الوضع وخطورته والأحزمة النارية التي لم تتوقف ساعة واحدة، بعد ذلك اضطررنا للنزوح مجبرين إلى منزل عمي الكبير، والذي لم يكن بأفضل حال أو حتّى أكثر أمناً، إذ إن القصف العنيف لم يتوقف وقنابل الغاز كانت تسقط علينا كالمطر، والتي تسببت بحساسية تنفسية لنا جميعاً. وكان معنا من ضمن النازحين أبي الذي كان يعاني مرض القلب وزوجة عمي مريضة سكري وأولاد أخي الصغار.
كانت أيام عصيبة قاسية والغارات عنيفة، شهدتُ مواقف ولحظات لم أتخيلها حتى في أكثر الأفلام رعباً.
أحدها كان في فجر يومٍ كنا نائمين وفجأة استيقظنا على صوت قصف قريب، وشظايا تتطاير، وقفنا عند نافذة المنزل نحاول معرفة موقع الضربة القوية، والتي كانت على الأرض المجاورة لنا رأينا أيضا الناس تخرج من تحت القصف والمنازل الملاصقة للمنزل المقصوف، وهم في نصف الشارع تم استهدافهم بصاروخ آخر أمام أعيُننا حيث شاهدت أحدهم التقط أنفاسه الأخيرة أمام عيني.
وفي حادثة أخرى كنت والعائلة جالسين نتحدث عن أمور الحرب والواقع والحال، فجأة ودون سابق إنذار قُصِف المسجد المجاور لنا والزجاج والحجارة وقعت فوق رؤوسنا!
وأذكر جيدًا إحدى الغارات التي كانت في مدرسة الفالوجا عندما كان الناس ينزحون في منتصف الليل من القصف الهمجي العنيف، ويذهبون إلى مستشفى كمال عدوان بحثاً عن ملجأ، كانوا يمرون من أمام بيتنا يصرخون ويلهثون هاربين بخوفٍ وهلع من القصف المدفعي والحزام الناري الكثيف، سمعت أحدهم، وكانت ساعات الفجر الأولى يمشي ويسأل ابنه بصوت منهك: يا أحمد أتأكد أسماء معك؟
أحمد: آه معي
الأب: طيب أسيل وآية ومحمود وأمك
أحمد: آه هيهم معي يلا يابا تعال بسرعة قبل ما يصير فيك اشي)
هل لكم أن تتخيلوا هذا الرعب في هذا الوقت المتأخر من الليل البارد؟!
بالطبع لا
هذا واحد بالمئة من المواقف التي شهدتها من هذا الإجرام الصهيوني، والكثير الكثير من المشاهد التي لن تفارقني ما حييت.
وعندما كنت أجلس عند النافذة أنظر إلى الناس، وهم يذهبون إلى مستشفى كمال عدوان ومستشفى الإندونيسي في سيارات الإسعاف وسيارات المدنيين وعربات تجرها الحيوانات حيث كانت مليئة بالدماء، ورأيت في السيارات أناساً مقطوعة أيديهم أو أرجلهم، رأيت أشلاء الناس بعينيّ، والكثير الكثير من المآسي التي لن يستوعبها عقل، ولا يتحملها قلب.
هذا جزء من ما شاهدته أنا ابنة الـ 14 ربيعاً، لا بل خريفاً، خريف سقطت أوراق طفولته، ولا أعلم إن كان سيزهر مجدداً.. إلى العالم الأخرس، إلى العالم المتفرج على عذاباتنا ومآسينا، أقول لكم:
أنا شمس، لن أسامح ولن أغفر لكل من رأى وسمع وشاهد وصمت.
نحن مشروع شهداء، ونلقاكم يوم الحساب بإذنه تعالى ولن نغفر لكم
اقرأ المزيد ...
كاسترو في غزة
أصوات من غزة… نجونا من الموت محض صدفة
اطلع على المزيد من قسم تدوين