0%

فلافل النازحين في غزة



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 6 دقيقة

"فلافل النازحين" هو عنوان رواية للكاتب السوري سماح ادريس وهي تحكي عن حياة السوريين خلال النزوح، هذه الرواية كنت أعيد ترتييها في رفها المخصص في مكتبة المؤسسة التي أعمل بها، لازلت أحفظ مكانها فهي تطل على الممر الطويل في المنتصف على الرف( ق4_ ادر)، ولكنني لم أعرف ٱنني كنت أعيد ترتيبها لتطل على آلاف الأطفال والأصدقاء الذي مشوا من أمامها دون ٱن يعرفوا معنى النزوح، ثم جربوه مؤخرا، فصاروا نازحين.

 

سأستعير من الرواية عنوانها، لا فرق ربما يختلف العدو، لكن القسوة واحدة، الظلم وانتهاك الانسانية والاستهتار بالبشر وبحقوقهم وباستقرارهم، وجعلهم دائما ضحايا الصراعات السياسية، دون أي اعتبارات أخرى واحدة.

 

هذا العنوان الكفيل بأن يشرح لك طبيعة مايحدث، كالفلافل التي نعرفها ونأكلها، أو تلك التي كنا نعرفها، والتي يتناولها الآن النازحون بشكل كبير، حيث انتشرت مؤخرا في الشوارع وأماكن التجمعات على مواقد الحطب، وهي فلافل تفتقد إلى اللون الأخضر لقلة الخضار الطازجة، ولارتفاع أسعارها.

 

طعام النازحين يختلف حسب إقامتهم، لكنه على الأغلب لا يخلو من معلبات الفول والحمص والفاصوليا ولحم اللانشون، وما يجود به الشارع من عوامة ومشبك وفلافل وزلابية، وما تحضره السيدات من مهلبية ومعجنات ليبيعها الصغار في الشوارع، في أحسن الأحوال ومع وجود مكان لإشعال النار، سيكون هناك قلاية بندورة شهية، ٱو طبخة عدس أو بازيلا معلبة، نسيت أن أخبركم أن البيض ظهر ليومين وحظينا بشكشوكة طيبة، ثم اختفي، وعاد سعره ليرتفع من جديد، ويباع في السوق السوداء، الخبز أسعاره جيدة، لكن الوصول إليه يحتاج لحجز دور لنهار كامل، فمن الأفضل أن تخبز وحدك.

 

من ٱهم السلع التي لا يزال ثمنها خيالي، زيت القلي والقهوة، المولتو وأكياس الشبس ومسليات الأطفال، حتى بسكويت المساعدات المحشو بالتمر يباع على الٱرصفة بسعر مرتفع، الخضار خصوصا البصل أسعاره خيالية، الثوم والبطاطا والدقيق انخفضت أسهمهم مؤخرا لدخولهم السوق بقوة، الخيارة بشيكل، البندورة معتدلة، حتى الحطب صار ينافس البضائع.

 

اختفى الشامبو يا أعزائي، البامبزر والحليب، في حال وجدت المقاسات والأنواع فالحصول عليها مكلف، الفوط النسائية بعد انقطاع صارت تباع في الشوارع، الصيدليات خاوية والأدوية المزمنة شحيحة، طعام القطط والعصافير أسعار جنونية، حتى السراويل الداخلية التي نلبسها في الأربعينية غير موجودة، يمكنك شراء سراويل مستخدمة من محلات"البالة"، هذا إن وجدت.

 

يبدو الأمر مثيرا للسخرية والشفقة معا، لكن هذا الحصار لا يمس غزة وحدها، فغزة تحاصر العالم المريض البائس، غزة تحاصر العالم فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام، سيخرج لهم الأطفال الجوعى في كوابيسهم، وسيخرج لهم المرتجفون من البرد من تحت ٱغطيتهم، فإما أن يحيا الجميع بعدالة، وإما لا حياة لهذا العالم المتآمر.


الوسوم

شارك


x