0%

نزوح: الغُربة داخل الوطن



منذ 9 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 5 دقيقة

على الرغم من أننا في ربوع قطاع غزة، إلا أن الغُربة تحيطنا من كل مكان، ف أين نحن؟ وأين بيوتنا؟ وأين مسكننا؟

 

نتوه هنا بين الوجوه التي جاءت من كل من شبرٍ في بلادنا، نتوه في وسط الأسعار المرتفعة، نتوه في شوارع لم نكن نتوقع أن نصلها ذات يوم، فلمَ جئناها؟ وبهذه الظروف!نتوه على طوابير المياه، ونحن نبصر مناطق واسعة مكتظة بالخيام، مناطق لم نعرفها إلا بخيامها التي نُصبت إبان الحرب، نتوه في بحر الذكريات التي تفتك بقلوبنا من فرط الحنين والشوق، فأماكننا التي بنينا فيها ذكرياتنا قد هجرناها أو دمرها العدوان، وحتى الرفاق قد تشتتوا وتفرقوا في بقاع القطاع، لم تبقَ لنا الأماكن ولم يبقَ الرفاق.

 

أذكر صديقي وقريبي محيي، لقد كنا سويًّا على الدوام في الشهور الأخيرة ما قبل الطوفان، من المغرب حتى الفجر إلا ما ندر، وكذلك الحال مع خالد وكريم، في "الطابق" حيث الطابق العلوي من منزلنا، طابق خالٍ لا يقطنه أحد، إلا أن ذكرياتنا ورائحة الأرجيلة ومعداتها وكروت الشدة وأنغام عبد الحليم لا زالت تقطنه، كان لا يمنعنا سوى دقائق معدودة، أما الآن فتفصلنا مسافات، ونزوح، ومواصلات شاقة، وقلق من خطر الطريق، دون متسع من الوقت لتبادل أطراف الحديث بسبب الظروف الراهنة وضرورة العودة بين خانيونس ورفح على عجلة قبل حلول المساء، على الرغم من أن قطاع غزة لا يتجاوز عدة كيلو مترات، يمكنك أن تقطع كل الطريق في غضون ساعة من حدود مصر جنوبًا وإلى حدود أراضينا المحتلة شمالًا، إلا أننا بتنا نشعر وكأنما تفصلنا دول ومسافات كبيرة، ونحتاج إلى التفكير مرارًا قبل اتخاذ قرار الزيارة لبعضنا هنا أو هناك.

 

ما الذي أفعله هنا؟ سؤالٌ يراودني كل يوم وفي كل مكان وفي كل مواصلة، ماذا يجري؟ ولماذا يجري؟ أسئلةٌ تفتك بخلايا دماغك وتُخرِجك عن طورِك وتضعك في سجنٍ موصد كالقطاع الذي تسكنه، واتفق الجميع على إبادتك بداخله.

 

  • هذا النّص كتبه صبري ما بين 1 -20 يناير/ 2024، وينوي أن يستمرّ بالإضافة إليه حتّى عودته إلى بيته، ولكنّه آثر نشره قبل أن يكتمل، وكتب: "الحكاية مستمرّة ما استمرّ النّزوح"

الوسوم

شارك


x