0%

لا بيوتٌ ولا طعام في الحرب



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 6 دقيقة

لم يترك هذا العُدوان على قطاع غزّة صنفًا من المُعاناة إلّا ووقع، ألمسُ هذا في حياتي وفي حياة كلّ من هم حولي، اتصلت بي منذ أيام زميلتي في الجامعة إسراء، وإسراء كانت في عالمٍ آخرٍ من الدّلال كانت تعيشُ به، كانت دائمًا تُرينا صور بيتها؛ جميلٌ وواسع وفيه جنينة [حديقة] واسعة، وكان يتألّف من طوابق بدرج داخليّ، وغرف كثيرة، وكانت عائلتها مهووسة بفكرة ترتيب البيت والاعتناء به. لكنّها عندما حادثتني اليوم كانت دموعها لا تتوقف، وتقول لي: "غرقت بالخيمة يا نور غرقنا! هاي آخريتها هيك إحنا يصير فينا هيك! نصحى بنصّ الليل نلاقي المطر دخل على فراشنا وملابسنا، وأنا أصلًا مريضة ومعي نزلة برد وهينا بالشّارع ومش ملاقيين مكان ننام فيه والبرد دخل في قلوبنا!"

 

وبعد انقطاعٍ عن صديقتي صبا من شمال غزة لأكثر من شهر تواصلتُ معها اليوم، وبعدما اطمأنّيتُ عن أخبارها وتأكدتتُ أنّها بخير، بدأتُ أسألها عن تفاصيلِ الحياة هُناك، وكلمة 'حياة' تعني أنّهم يتنفسّون فقط!

 

تُخبرني أنّهم منذ قرابة الأربعين يومًا لم يتذوقوا طعم الخبز، وأصبح أسمى ما يتمنّون هو حصولهم على الدّقيق فقط، وكلّ ما يأكلونه طوال هذه المدة هو الأرز والبطاطا المسلوقة؛ لأنّها غنية بالنشويات وتسدّ جوعهم بطريقة ما. وكما قام أغلبيّة أهل الشّمال منذ فترة قريبة فإنّهم قاموا بطحن علف الحيوانات وصنعوا الخبز منه! وبعد الأكل منه أصابتهم جميعهم حساسية جلديّة وأورام وانتفاخات في وجوههم، ويعانون من أمراضٍ لا يعرفون ما أصلها حتّى!

 

أسألها ما أنواع الخضروات والفواكه المتوفرة في السوق، فضحكت وقالت: "فواكه! خضار!" هذا هو حُلم أهل الشّمال بعد حلم توفير الخبز، ففي السّوق لا يتوفّر سوى الفجل والبطاطا، وبأسعار باهظة الثّمن، ولكنّ النّاس مجبرين على شرائها كبديل للخبز.

 

ثمّ اختتمت صبا قائلة لي: "أمّا عن البيوت والشوارع والأماكن التي كنتِ تعرفينها فهي مدمّرة بالكامل، وإذا عدتِ فسوف تتوهين في الطّرقات المؤدية إلى بيتكِ"

 

كلامُها حضرني عندما استمعتُ لمحادثة عابرة في الشّارع، شعرتُ أنّها تحكي ما في قلبي، كنتُ أمشي خلف عائلة كانت طفلتهم لمى والتي تبلغ من العُمر عشرة أعوام تبكي وتقول لوالدها بأعلى صوتها: "رجّعني على داري، أنا بدّيش رفح، بدّيش الخيمة البشعة الي أنا فيها، والله تعبت منها شكلها مش حلو، مش حابة أرجع وأعيش فيها ولا يوم زيادة، خلص بكفّي يعني لشو إحنا فيها عشان ننجو من الموت! رجعني أموت في دارنا أحسن، لو رجعتني على الخيمة وأنتو نايمين راح أمزعها، خلص مش قادرة أتقبّلها؛ الخيمة عتمة وباردة ومش حلوة، بدي أرجع على دارنا الحلوة وأموت هناك وبديش الخيمة"

 

كلّنا يا لمى..كلّنا نريدُ أن نعود.


الوسوم

شارك


x