0%

غزّة.. في وصف التعب



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 4 دقيقة

يحمِلُ متاعه منذُ ولِد، ذاك الذي يعيش في فلسطين. يبدو كمن حُكِم عليه باللا استقرار والترحال. وفي آخر قِصص هذا الترحال المُضني أتى العدوان الوحشي على غزّة.

 

يجلسُ على دكّة غسل الموتى، ساندًا رأسهُ وظهرهُ للحائط، لا حرف. لا صوت. ميّت بجانب ميّت آخر، اختلافه الوحيد أنهُ يتنفّس. صمت موحِش عمّ أركان العالم، كيف نُقتَل بالصوت والصورة هكذا؟ ويتحوّل موتنا إلى عمل مسرحي، للبعض تسلية وللآخر دراما حزينة؟ يا لهُ من تعب ذاك الذي يرزح تحت دكّة غسل الموتى. يحمُل صديقه العزيز على كتفه، ويخرُج بهِ إلى المقبرة الجماعية. مُتعبون يصتفون بجانب بعضهم البعض، جوعى ومُتهالكين بصمت ميّت يدفنُ ميتًا آخر. ووحدهُ صوت الطائرة لا يتعب.

 

على قارعة الطريق الآخر، مُراهق شاب مؤخرًا، يحمل كيس طحين مُغطّسٍ بالوحل. اقتلعه من بين جمهرة غفيرة تتضارب من أجله. ويدعو ربّهُ أن يصِل به إلى أُمّه لتُطعِم إخوته الجياع، ومن بعدها يُمكن للطائرة أن تضرِب. تعب الجوع، هدّ تلك اليد النحيلة. كيف للخُبز أن يصير بهذا الجُهد؟

 

على سريرها ليلًا، لم تنَم منذ ما يزيد عن مئة يوم. كيف نُحرَم من أبسط البديهيات هكذا؟ لماذا لا تصمت الدبابة؟ لماذا لا يموت الصوت؟ ساعات فقط أُريد أن أنامها حتى أستطيع بعد ذلك إكمال سلسلة الموت تلك. فأنا المسؤولة عن إحصائها في وزارة الصحة. كم ألف صاروا، ولم يتوقّف العالم؟ كيف يتسمرّ الكوكب في دورانه؟

فقد الشعور بأطرافه من شدّة البرد، ورجليه عائمة بالمياه بعد أن طافت الخيمة التي لجأ إليها من هَول الموت الذي حاصره. أيكون مصرينا البلل دائمًا؟ من مركب هروب إلى خيمة لجوء تكون الحياة؟

 

هذه أسئلة يطرحها التعب على ضمير العالم. ومُشكلة العالم أنهُ لا يتعب.


الوسوم

شارك


x