0%

تذكر.. أنتَ في غزة!



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 7 دقيقة

كُنت أعتقد أنَّ الإنسان حين يعتادُ الألم سيتعايشُ معه، ولن يُوجعه بنفس قدرِ وجعهِ الأول.
لكنَّ بما أنّك في غزة، فكل اعتقاداتك سوف تتغير
واعتقادي بأن خوفي من الصواريخ والقصف المسعور قد باتَ شيئا طبيعيًا، و تعودته ولم يعد يخيفني كالسابق..
اعتقادٌ خاطئ..
عصرًا يوم الأحد الثامن والعشرين من أولِ شهر لهذه السنة، عائلة مُلتفة حولَ بعضها لا شيءَ لها سوى أن تسمعَ الأخبار، كُنَّا لحظتها نشعر بالأمان وبما أنَّه من النادر أن تجد الأمان في هذهِ الحرب، ستذهب لتسرق هذه اللحظة الثمينة، وتقضيها بممارسة الحياة الطبيعية التي يقينًا نسيناها،
تجمَّعنا أنا وإخوتي بسرعة في المطبخ لنحضر الطعام الذي نُريد منهُ أن يسَّدُّ رَمَقِ جُوعنا، ونضعه قبل أن ترحل عنا لحظتنا الثمينة، وضعنا على غطاء المائدة طعامَنا المتكرر يوميًا "العدس " الذي بالكاد صرنا نجده هنا في شمال قطاع غزة بعد إحكام الحصار علينا من قبل الاحتلال، الذي كما قال وزير حربهم " سنعاملهم كالحيوانات؛ لا ماء، لا طعام، لا كهرباء، لا وقود"
سنرجعهم خمسينَ سنةٍ للوراء
هه! هو بالفعل قد جعلنا نرجعُ أكثرَ من مئة سنة، وليسَ خمسين فقط..
قطَع لحظتنا الثمينة في عيشِ الحياة
صاروخٌ بالكاد كان أن يصُمَّ آذاننا من حدته،
ومن هنا قد زال اعتقادي بأنَّ خوفي من الصواريخ قد خفَّ عن أولِ أيامِ الحرب.
كمن غابَ عن وعيُه لم أجد نفسي سوى مُلتفةً حولَ أمي مُغمضةً عيني بشدة مُتسارعةً نبضاتُ قلبي بخوف رافعةً إصبع السبابة لأتشهد كالإنسان المُعدم المُغمضَ العينين، ولا يعي ما يدورُ حوله
سوى أن الموتَ مُحيطٌ بهِ من كلِّ اتجاه
مرتْ الدقيقة بعد نزوله
شهقت وعُدتُ إلى وعيي أتحسس جسدي، نعم ما زلتُ كاملةً لم أقطعَ أشلاءً، فتحتُ عينيَّ كمن يُبصر لأولِّ مرة مُدركةً أنني ما زلتُ حية!
وأنَّ الصاروخ اللعين لم يكُن مُصوَّبًا نحوي
وقد ذهب في طريقِ أناسٍ آخرين بالفعل قد عاشوا نفسَ شُعوري حين نَزَلَ
ولكن الفرق
إنني كاملةً ما زلتُ على قيدِ الحياة
وهم رحلوا أشلاءً مُكرمين بالشهادة للجنة
وتساءلتُ بحرقةٍ عن ردةِ فعلي لرفعي إصبع السبابة حين سماعي لأي صاروخٍ ينزل.
ولِمَ أصبحتُ لا إراديا أرفعُه حين سماعي أصوات القصف
هل هذا الفعل يعني أنني قد تقبلتُ فكرة الموت؟
أو أنني أعي تمامًا كيف أصبحتُ مريضةً بالخوف من فكرةِ الموت مُتقطعةَ الأشلاء؟
هل هُم هكذا قد أثبتوا أنهم قد تحكموا في حقنا في الحياة؟
يا الله هلوسةٌ تدور في مُخيلتي!
كم هو عمري لكي أتساءل هكذا أسئلة، في حين أن الكثيرين ممن هم في سنِّي في العشرينيات "سنُّ الشباب اليافع" تدور أسئلتهم الطبيعية عن الشغف والحب والحياة التي حقًا قد جعلونا ننساها..
لا أعتقد أبدًا أنهم فقط قد أرادوا تدمير بيوتنا ومدينتنا ومعالمها وشوارعنا وذكرياتنا.
هم يريدون تدميرَنا من الداخل وتعذيبنا نفسيًا بالأكثر
يريدون لنا أن نعيش بائسين مذعورين خائفين مُربكين لا نجد الهناء، ولا نعرف معنى الراحة
يريدون منَّا أن نتمنى الموت والخلاص من هذا العذاب الذي من المُمكن أن الموت قد يكون أرحم منه!
يا أحقر وأنجس وأَظلمَ من جاءت بهِ الدنيا
حرمكم الله كُلَّ ما حرمتونا منه
من أمان وهناء
وحُب في الحياة..


الوسوم

شارك


x