0%

عن انقطاع الاتصالات في غزة خلال الحرب


لا نخاف انقطاع الاتصال شؤمًا أو تشاؤماً، لكن يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم لا حصر لها في هذه الفترة من الانقطاع، فلا أحد يعلم ولا أحد يخبر ولا أحد يغطّي!


منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 6 دقيقة

ما زلت أتذكّر اللحظة الأولى لإعلان الحرب، أتذكّر العاصفة الهوجاء التي حلّت بجسدي من أصوات الصواريخ، والتي حلّت بأفكاري (لقد بدأت الحرب) والآن سيبدأ فصل جديد من الحياة لا نعرف متى سينتهي، في تلك الحرب التي سبقت الحرب أعتقد وبسدى أنّ الجميع كان لديه أحلام وطموحات منتظرة، الأمور بدأت تأخذ موازينها المضبوطة، والتّسارع في الإنجازات وتطوّر غزّة تحديدًا وهي تحت الحصار أصبح ملحوظاً ومنشوداً.

لتلك الدرجة التي شعرت بها أني سأكتفي بغزة حتى نهاية عُمُري فما حاجتي إلى الغربة إن كان كل شيء متوفّر هنا، لكن بدأت الحرب بوحشية مرعبة وبوتيرة تُشعرك في كل لحظة أنّك دورك هو القادم، أتذكّر أننا حضّرنا حقائب الطوارئ من أول لحظة، وصرنا نغيّر ما فيها، ونبدّلها حتى تأتي تلك اللحظة القاسية التي ننسى فيها نصف الأغراض.

 

بعد مرور شهر تقريبًا أعلن الاحتلال عن بدء الاجتياح البرّي لغزة، وأذكُر في هذه اللحظة أننا جرّبنا للمرة الأولى انقطاع الاتصالات والإنترنت في ذات اللحظة التي أعلنوا خلالها عن العملية البرّية، خوف مُريب، وجوه لا تتفسّر، أسئلة بلا أجوبة، تحليلات بلا قيمة، كنّا نظنّ حينها أن قُضِيَ علينا بلا مقدّمات، تسمع القصف الشديد المرعب، ولا تعرف أين مردّه! وتصير آلاف المجازر من حولك، ولا تكاد تعرف شيئا عنها إلا خبرا طائش.

 

استيقظنا في صباح اليوم التالي على أنصاف خبر يقول إن هناك شهداء من عائلتكم، انتفضت المشاعر والأفكار والذكريات تحاول أن تفهم المشهد، فعلمنا أن ابنة عمتي وأولادها قضوا شهداء في قصف بيتهم، عرفنا قبل الظهر أنها دُفنت وأولادها قبيل الفجر، فلا اتصالات ولا تواصل.

 

تكرر المشهد مجددا، في مساء يومٍ آخر من قطع الاتصالات لما تلقّينا خبر استشهاد أطفال رضّع مع والدتهم من عائلتنا المقربة ولانقطاع الاتصالات عرفنا بعد دفنهم بيوم كامل، صار انقطاع الاتصالات هاجساً، فالأخبار التي تكون حينئذ أشدّ صعوبة من الأخبار كلهم التي نقرأها ونشاهدها على التلفاز أو الإنترنت.

 

صار انقطاع الاتصال بمثابة انتظار خبر استشهاد أحد من العائلة، حتى انقطعت الاتصالات لأيام أخرى، فتلقينا فيها نبأ قصف بيت خالي واستشهاد شابين من أولاده، ذاك البيت الذي امتلأ بذكريات الطفولة، فكان الحدث مُفجِعًا، ولم تنتهِ الأخبار بعد! ففي الانقطاع الأخير، تلقينا خبر استشهاد ابنة خالي بعد مضاعفات بإصابتها لما قُصف بيتها، واستشهد ابنتين لها، فاجتمعت بهما بعد شهر ويزيد.

 

لا نخاف انقطاع الاتصال شؤمًا أو تشاؤماً، لكن يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم لا حصر لها في هذه الفترة من الانقطاع، فلا أحد يعلم ولا أحد يخبر ولا أحد يغطّي!

 

ماذا يعني انقطاع الاتصالات في غزة؟ معناه أنك ستتلقّى نبأ دفن مَن تحب دون أن تراه في وداعك الأخير له.


الوسوم

شارك


x