0%

كيف يصبح المنزل هدفا نوعيا "نموذج ليلة"



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 6 دقيقة

تقول يارا وهي تلتحف بي فيما تغلق أذنيها الصغيرين من هول ما تسمع من الانفجارات: ماما بديش أموت، لسة في شغلات كتير بدي اعملها، فأبتسم رغم الخوف وأقول: إن شاء الله يماما راح نعيش ونعملها.

 

لم تكن الأحزمة النارية في تلك الليلة معروفة لدى سكان رفح، لكنها غافلتنا في منتصف الليلة التي قصف فيها الجيش مناطق عدة، هذه الأحزمة ربما يعرفها النازحون، جربوها ذات ليلة أو أكثر، لكنها كانت حدثا غريبا في منتصف المدينة المختنقة بسكانها.

 

فكرت كثيرا فيم كان الزجاج يتساقط على الأطفال وعلى الأسفلت، ومن شبابيك العمارة التي نسكنها مؤقتا، كيف يصر العالم على سفالته كل يوم، فيم نحن نقتل بهذه الطريقة المجانية والرخيصة، وفكرت أكثر لماذا تتعرض هذه الطفلة الجميلة والذكية التي تلتصق بي، إلى هذا الكم من الخوف ومن الحرمان ومن قساوة الحياة، وفي النهاية هل يفترض بها أن تواجه الموت بكل شجاعة؟

 

كيف يصبح المنزل الذي يحوي الآمنين النائمين إلى مكان خطير ومخيف، كيف يصحو الصغار من نومهم على صراخ وهلع، وانفجارات شديدة، ثم نركض بهم في منتصف الليل لنتجه إلى الاسفل حيث التجأ كل سكان العمارة وصاروا ينادوننا لننحشر سويا دون أن ندري ما الذي يحدث، ولماذا يحدث كل هذا، وكيف سينتهي هذا الموقف العصيب.

 

كيف مرت ساعة وأكثر ونحن محشورون في زاوية ضيقة .. النساء والصغار والعتمة والخوف، والرجال يجلسون في زاوية أخرى وكل واحد منهم يكاد يتوقف قلبه على عائلته التي ربما تضيع منه ومعه في لحظة غير معروفة.

 

يصطدم الصاروخ بالأرض فتتكسر المزيد من الشبابيك، تصاب ميرا في وجهها، لم نعد نعرف أين نذهب، نحوقل وندعو بصوت خفيض، نغلق الهواتف، لا نعرف ما الذي يمكن أن يحدث، هل سيكون اجتياح بري، هل سيخرجوننا من البيت، هل سيقتلوننا معا، نعود فنحوقل وندعو عليهم وعلى من صاحبهم ومن طاوعهم ومن لف لفيفهم.

 

يهدأ الصوت قليلا، يبدأ الصغار بالذهاب إلى الحمام، الخوف تمكن من الجميع، يحلل الصغار والكبار ما يحدث ولا أحد يعرف ما نحن فيه، يأتي أحدهم فجأة بخبر أن العملية العسكرية انتهت، نحمل صغارنا ونحمد الله على سلامة الجميع ونصعد للأعلى.

 

الزجاج متناثر على الأغطية وعلى الأرض، الشبابيك بلا زجاج، والأبواب مخلوعة، لملمنا ما استطعنا لنهيئ لنا مكانا للنوم، فيم لا نزال نرتجف من الخوف، احتضنت الصغار مجددا، انحشرنا في زاوية مناسبة للنوم، ولربما تكون بعيدة من أي أذى.

 

بدأ الجيران يتفقدون منازلهم، أستمع إلى صوت الزجاج على الأسفلت، يتكسر مزيد من الزجاج، تتساقط المزيد من الحجارة، صوت الجيران يعلو قليلا، يستكشفون الدمار بإضاءة خافتة من هواتفهم، الكل في حالة من الصدمة والذهول، فيم يتصاعد القلق من القادم، ويثقل قلوبنا مزيد من الخوف والتساؤل، وشكل الصباح والأيام القادمة، ويعترينا سؤال كبير:

 

كيف تبدو المنازل هدفا نوعيا لاسرائيل؟


الوسوم

حرب الإبادة الجماعية غزة

شارك


x