0%

السّابع عشر من أكتوبر..بعد الفجر



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 4 دقيقة

كُنا ننام، أو نتظاهرُ بذلك لا أدري، في الطابق السفليّ من المنزل، اعتقاداً بأنه أكثر أمناً، لا أدري إن كان كذلك، أم نحن نكذب على أنفسنا لنرتاح من عذاب الضمير.
كُنا قد صلَّينا الفجْر وجَلسنا، مِنّا مَن أكمل نومه، أو كان يُرتّل يَـس، أو يسمع للراديو، فليس هناكَ شيءٌ يُفعَل، لا كهرباء، ولا إنترنت.
وإذ به خالي يتصل، علمنا وقتها أن ثمة شيئاً قد حدث، رنَّ الهاتف لثوانٍ، ثم فصل، لخللٍ في الشبكةِ اللعينة أو ما شابه.. أعاد خالي الاتصال، فأجابت أمي واضعةً يدَها على قلبِها، قال: "صفاء وزوجها وابنتها شهداء الحمدُ لله"
قالها وهو يبكي، وأبكانا جميعاً، حتى آيلا ذات الاثني عشر شهراً بكت، وكأنها تعلم من ذهب!

 

تأكدت وقتها أن ثمة كلماتٍ أثرها أشد من الرماح والسهام، وحتى الصورايخ.. أعجز عن وصف ما حدث بعد هذا الاتصال.. كان كالصدمة وأشد، صاعقة.. يا للمشهد ما أقساه!

 

صفاء! خالتي وحبيبتي، الجميلةُ ذات الملامح الفاتنة، والوجه القمريّ، الصيدلانية، حافظة القرآن، الذكية، المثقفة، كما تقول أمي دوماً "نوّارة البيت"، محبوبة الجميع بِلا استثناء، ذهبت.. أعلم يقيناً أنكِ في مكانٍ أفضل، أجمل، تستحقينَ ذلك، ومن غيرك يستحق؟ لكن الفراق.. ما أقسى الفراق، ما أقساها! دوماً كُنتِ تقولين "أنا الأولى على البيت" وأنتِ فعلاً كذلك.. الأولى بكل شيء، حتى الموت.

 

إيليانا، يا حبيبتي، لم أركِ بقدرٍ كافٍ، فقد وُلِدتِ قبل ثلاثةِ أشهر، واليوم تُزَفّينَ شهيدة! يا عُصفورة الجنة

 

فُطِرت قلوبنا، ثمةُ مشاعر لا تحملها جبالٌ وهي من صخر، فكيف نحن؟ كل يوم، وكل وقت، آوي إلى نفسي، فأجدني أبكي كما لم أفعل مِن قبل، أبكي بمرارةٍ على فراقكم! فاللهم لا تؤاخذني بما لا أملك، واللهم صبراً وجبراً لِنَفسٍ لا يعلم بحالها إلَّاك.


الوسوم

شارك


x