شهادة الدكتور منير البرش حول استهدافه من قبل الاحتلال الاسرائيلي



الوقت المقدر للقراءة: 20 دقيقة
منذ 8 أشهر

هذه شهادة الدكتور منير البرش مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة حول استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمنزله مباشرة واستشهاد ابنته وأفراد من عائلته، وحول الوضع الصحي في قطاع غزة والوضع الإنساني في شمال غزة تحديداً، وردت شهادته في لقاء مع الصحفي أحمد طه على قناة الجزيرة مباشر في تاريخ 5 فبراير 2024، وهذا نقل لشهادته كما وردت: 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، الحمد لله ربّ العالمين أنا أتماثل للشفاء بعد إجراء عملية جراحية استمرت أكثر من ست ساعات في الظَهر بعدما كُسرت الفقرة الرابعة والآن أمشي على كرسي متحرك وإن شاء الله سأقوم بالعمل بإذن الله، لن نتخلى عن أبناء شعبنا ونحن نتابع الواقع الصحي بكل مرارة وبكل ألم.

كنا في مستشفى الشفاء أثناء العلاج وحاصرَنا الجيش قبل أيام وخرجنا بأعجوبة من هناك، هذا المستشفى الذي أردنا أن نُشغّله ولو بخدمات بسيطة لإنقاذ أرواح الناس، حتى وصل الأمر أننا شغلنا العناية المركزة وكنا سعيدين بتشغيله لكن الاحتلال مجرد ما يشعر أن هناك عمل صحي يهجم على هذه المستشفيات. حرب المستشفيات مع الاحتلال كانت من بداية الحرب حتى اللحظة، فخرجنا من هناك، المستشفى الآن خاوي على عروشه، لا يوجد هناك أي خدمة في مستشفى الشفاء، حتى لا يوجد مرضى، الناس فقط للإيواء، والاحتلال يحاصر هذا المستشفى بالدبابات.

وكما فعل الاحتلال في شمال غزة يفعل الآن في خان يونس ويعمل بسيناريو، هذا السيناريو بنفس الأدوات وبنفس الحركات ونفس التقاليد، فهو حاصر مستشفى الأمل حصاراً شديداً وبقي لمدة أسبوعين، واليوم دخل المستشفى واعتقل المدير العام والمدير الإداري، كذلك يفعل في مستشفى ناصر حاصره حصاراً شديداً، وأنا عندما أرى ماذا يفعل في مستشفى ناصر وماذا فعل في مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر، أتذكّر ماذا فعل فينا في الشفاء بنفس الأدوات والحركات والسيناريوهات وماذا فعل فينا في المستشفى الاندونيسي ومستشفى كمال عدوان ومركز جباليا والنقطة الطبية التي أعددناها وجهزناها لتستقبل عدد من الجرحى.

وكان أول جريح أنا وأطفالي وزوجتي والشهيدة جِنان عندما دخلنا هذه النقطة الطبية بعد تدميرها، الاحتلال يلاحق هذه المنظومة الصحية وينتهك هذه المنظومة الصحية بشكل كبير وهو يستهدف الأطباء ويستهدف الطواقم الطبية، حتى الآن أكثر من 337 من طواقمنا الطبية تم استشهادهم، ما يقارب 103 من الأطباء والكوادر الطبية معتقلين حتى هذه اللحظة، مجازر كبيرة جداً أكثر من 2221 عائلة ومجزرة، 6 آلاف مريض الآن مصاب يحتاجون إلى التحويلات إلى الخارج بشكل عاجل وإنقاذ حياتهم، مرضى السرطان يتجاوز عددهم العشر آلاف مريض. في الحقيقة عندما نتحدث عن القطاع الصحي نرى أن هذه المنظومة استهدفها وأراد شلّها من بداية الحرب وكان هدفه القضاء على المستشفيات والكوادر الطبية والعمل الصحي بشكل كبير.

المذيع: لم تفكر في الخروج من القطاع؟ أنت أصبت إصابة بليغة في الظهر، كسر لإحدى الفقرات هذا الأمر بالتأكيد خطير للغاية وعلى كرسي متحرك الآن، ألم تفكر في محاولة الخروج من القطاع بأسرتك للعلاج في الخارج من هذه الإصابة الخطيرة أم لا؟

في الحقيقة أنا كأي شخص من المرضى في غزة، ما ينطبق على المرضى ينطبق علي أيضا لأن العدد كبير من هؤلاء الستة آلاف مريض يحتاجوا أيضا لعلاج كما يحتاج الدكتور منير إلى العلاج، لكن نتعامل بهذا الأمر في ظل أوضاع صحية.. يعني عندما نتحدث عن وصولي إلى مستشفى الشفاء بعد القصف، أول فحص CBC وهو فحص الدم، يعني إجراء بسيط جدا يُعمل للمريض في أول دخوله، كان للأسف الشديد بعد 15 يوم من مكوثي في مستشفى الشفاء لإنه هذه الخدمة غير موجودة، لأن هذه الخدمة قضى عليها الاحتلال.

تصوير جهاز CT (جهاز التصوير المقطعي) عندما اردت أن أصور فقرات ظهري ماذا حصل معي ولزوجتي وأولادي كان بعد أكثر من 15 يوم أيضا، لإن الجهاز كما رأيتم في الإعلام استهدفه الاحتلال، وعندما يتم إصلاح غيره أو بديله يأخد وقت معنا، نحن لا نرى في أنفسنا إلا خدما لشعبنا، وما يجري على شعبنا يجري علينا نحن جزءٌ من هذا الشعب، كما يُجرى عملية للدكتور منير لا بد أن يُجرى  لباقي الشعب، إذا أراد الشعب أن يسافر للعلاج لا بد أن تفتح الأمور للجميع، لكن الحالة التي بها أنا وأطفالي وزوجتي تحتاج إلى عمليات جراحية وإلى متابعة أكثر دقة، لكن أنا أقول بكل فخر وبكل اعتزاز بمنظومتنا الصحية أن هناك سرعة التشافي في غزة وهذا الكلام مؤكد بأرقام وبركة هذا الوطن وبركة هذه الأرض.

الحقيقة تساعد الناس كثيرا، كثير من الناس عندما نستقبلهم يكون هؤلاء سيموتون ويفقدون الحياة، مجرد فقط الطبيب يعمل معه الأشياء البسيطة والبدائية بالحد الأدنى تجد سبحان الله بركة في التشافي وبركة في العلاج، وكما يقال الـ recovery بالمريض بشكل كبير جدا، وهذا الكلام لم ألاحظه فقط بالحروب، وهذا الأمر في غزة عندما تحضر وفود من الخارج وتُجري بعض العمليات يقولوا نحن مدة العلاج لهذا المريض والمكوث في المستشفيات لا بد أن تستقر في سبع أيام فنجد المريض ما شاء الله بعد ثلاث أيام خرج من المستشفى بسرعة، وأنا أقول هذه بركة الوقت والزمان والمكان وبركة بيت المقدس. بفضل الله والمهم أن الإنسان يقدم وكما قلت الإنسان مطلوب منه العمل، وأن يقدم وأن يعمل المريض، والتشافي من الله عز وجل والبركة من الله عز وجل.

المذيع: بالمناسبة كيف حال الأسرة، عندما تم استهدافكم، أنت أُصبت إصابة بليغة واستشهدت ابنتكم رحمة الله عليها ربنا يتقبلها في الشهداء والصالحين، كيف حال الأسرة بشكلٍ عام؟ 

الحمد لله رب العالمين أنا تم استهدافي عندما خرجت من تجهيز المركز الطبي الأخير وهو عبارة عن نقطة طبية داخل مدرسة وذهبت إلى البيت، وعندما ذهبت إلى البيت وجدت الأبناء والأطفال والزوجة تنام في الممر للبيت وهو في الطابق الثاني وكانوا ينتظرونني على أحر من الجمر، أدخلتهم إلى الصالون الخلفي مكان النوم الذي ننام فيه، ابنتي جنان وابنتي ملاك تقاتلتا من أجل النوم في حضني، فكانت ملاك تريد أن تنام في حضني وجنان تريد أن تنام في حضني، جنان غلبتها رحمة الله عليها ووضعت نفسها في الوسط، نامت في حضني ابنتي جنان، وكان الصاروخ بعد لحظات استهدفها بشكل مباشر.

جنان صاروخ مباشر عليها ونزل إلى الطابق الأول وحفر حفرة عميقة في الطابق الأول، جنان طارت من الطابق الثاني الذي ننام فيه ووقعت على الركام، أيضا ملاك ابنتي طارت أيضا ووقعت على الركام على رأسها، أنا أعانني الله عز وجل لأن أستفيق وأن أحمل لا أعلم كيف لكن القوة من الله حاولت أن أحمل نفسي فوجدت أنني سأقع في الطابق الأول وفي الحفرة فأمسكت بحديد الباطون الخاص في السقف الذي أجلس عليه حتى وصل ابني وابني الآخر شدوني، وأيضا كانت زوجتي ملقاة على الأرض فسحبوني إلى فوق الركام.

الآن الإشكالية يريدون أن ينزلوني من الطابق الثاني حتى على الأرض فلا يوجد درج لأن الدرج استُهدف، فأنزلوني من الشباك على سلم وكانت الطائرات الإسرائيلية محيطة بالمكان وطبعا كان خوف شديد وكان رعب شديد، أنزلوني أنا وزوجتي من الطابق الثاني على السلم حتى وصلنا الأرض وجاءت سيارات الإسعاف. زوجتي أصيبت أيضا في الظهر وفي اليد والحوض إصابات بليغة لكن الله عز وجل هناك تشافي والحمد لله رب العالمين. ابنتي ملاك كذلك أصيبت في الحوض وفي فقرات الظهر والحمد لله هي بخير الآن. ابنتي جنان رحمة الله عليها استشهدت ووجدناها في الركام، وابنتي لين الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات، هذا منظر لن أنساه وهي الذي رأيتها مجرد فتحت عيني.

هي تنام بجانبي لكن هي خفيفة صغيرة فالركام نزل في الطابق الأول وفي الحفرة وكانت لينا خفيفة فنزلت فوق الركام وكانت تغمض عينيها وأيضا نزلت واقفة وهذا الأمر الحقيقة كله من لطف الله عز وجل فكسرت يدها لكن الحمد لله ربنا سلَّمها. أيضا استشهدت ابنة اختي في هذه الحادثة، وزوج أختي وأبنائه الاثنين، استشهد وائل رحمة الله عليه، واستشهد وسيم وهم أبناء اخواتي. الحقيقة رحمة الله عليهم كانوا مثال الأدب والأخلاق الله عز وجل اصطفاهم مع الشهداء الله يرحمهم.

المذيع: بعد 122 يوم من الحرب والعدوان الإسرائيلي على القطاع،  كيف يبدو الوضع؟ 

الحقيقة هناك صمود غريب وعجيب من الأهالي، وأنا أصدقك في القول خلال الـ 120 يوم لم أسمع بمظاهرة أو أسمع بتنديد أو آخر للعمل الذي تقوم به المقاومة. هذا الأمر أيضا لا يلغي أن هناك ألم ومصاب كبير، كارثة كبيرة جدا وهذه الكارثة لم تمر علينا وهناك البيوت المدمرة والأهالي. صدقني إلنا يومين بنبحث عن كيس من الذرة والشعير، هذا الكيس نخلطه مع بعضه البعض من أجل أن نأكل لأننا لا نجد الدقيق.

هذا الكيس لو تتصور ثمنه وصل في السوق، يا ريت يكون موجود، 250 دولار، كيس من العلف والشعير نخلطه من أجل أن نأكل ثمنه 250 دولار لأنه لا يوجد مادة الدقيق في شمال قطاع غزة. هذا الأمر طبعا في كل المجالات نحن نأكل الخبز من الشعير، الخبز من الذرة، أنواع كثيرة والله لا ندري ما الذي نأكله من شدة ال.. فنحن نأكل ولا نسأل الحمد لله على كل حال.

أنا عندما أتذكر الآية الكريمة "فأثابكم غماً بغم"، أقول أن الله عز وجل عندما يصيب الإنسان الغم بالغم يريد أن يمحصه، يريد أن يثبته، يريد أن يصفيه حتى يصل إلى نقطة أن لا ملجأ إلا الله، ليس لنا إلا الله، الله عز وجل يريد من هذا الشعب بهذا الامتحان الكبير أن يصنع منه تاريخاً جديداً ويريد أيضاً أن يصنع مستقبلاً كبيراً. الفجر قادم يا سيدي والنصر قادم والفرج قادم لكن أن يكون هذا الفجر وهذا النصر ان شاء الله ونحن مكافحين ومناضلين عن حقنا خير لنا من أن يطوينا الموت ونحن للأسف راقدين بائسين. نحن نتحدث عن مصير أمة إن شاء الله، مصير الشعب الفلسطيني بهذا الصبر وبهذا الصمود الأسطوري قادر على أن يصنع تاريخ جديد بإذن الله.

https://www.youtube.com/watch?v=zBJLuX6hgIw

الوسوم

شارك


المصادر


x