شهادة الفتاة رهف المقيد من شمال غزة



الوقت المقدر للقراءة: 11 دقيقة
منذ 7 أشهر

هذه شهادة الطفلة رهف المقيد من مخيم جباليا شمال قطاع غزة حول الوضع الإنساني الصعب الذي يمر به أهالي الشمال من تجويع وبرد واستمرار القصف والعدوان على منازلهم وأماكن نزوحهم، روت لنا شهادتها بشكل خاص لموقع "حكايا غزة" في تاريخ 21 فبراير 2024، وهذا نقل شهادتها كما روتها:

رهف: كنّا قبل الحرب نصحى من الفجر، نصلّي الفجر ونجهّز حالنا ونروح على المدرسة، نتعلّم ونستفيد ونتعلّم أشياء جديدة، كنّا نقضّي أحلى الأوقات مع أصدقائنا في الفرصة (الفسحة).

كان يوم السبت علينا أشياء كتيرة، دورة الصحافة قبل المدرسة، وكان عليّ إذاعة ع الفرصة، بس راحت كلها عشان الحرب، والاحتلال دمّر لنا حياتنا، دمّر لنا مدرستنا وكل إشي، هلقيت المدارس بطّلت تصلح للدراسة، مش بس المدارس، كل الدور اتهدّمت، والشوارع اتدّمرت.

والناس دورها انهدمت ومالهاش كتب ولا دفاتر، حتى المكاتب اللي كنّا نشتري منها انقصفت، وكتير أشياء راحت، من وين؟ .. مين بدّه يعوّضنا هذا الإشي؟ والمشكلة حدّش بيتكلم لا من الدول العربية ولا من الدول الإسلامية، كلهم واقفين مع إسرائيل، وبيضربوا علينا صواريخ أول مرّة نسمع فيها.

الـ اف-16 والقذايف والزنّانة وأشياء تانية كتيرة، كنّا نسمع صوت تكسير القزاز، صوته كان كتير بيخوّف، وصوت الشظايا وصوت عمدان الباطون (الأعمدة الأسمنتية) وهي تنزل في الشوارع، كنّا نخاف كتير، كانوا يقصفوا الدار اللي جنبنا كنّا نلتمس (نخاف) من الصوت، بس محدّش كان يعرف.

انتوا بتشوفوه على التلفزيون بتشوفوه على الجوّال بس مش شايفينه بعينيكوا مش سامعين الصوت بدانكوا (بآذانكم)، احنا شايفين هذا الدمار وسامعين كل الأصوات اللي بتخوّف، حد قالِلنا إشي لمّا طلعنا بنص الليل ع المدارس، حافيين. كنّا كتير خايفين، ضربوا دارنا قذيفة وطلعنا.

ضربوا على كل الحارة وكل الحارة صارت تجري، وشفنا مناظر كتير بتخوّف، كله هذا من الاحتلال كله هذا سوّاه هو - تتنهد بحرقة - بس تخلّص الحرب، لا ضل مكان نروح عليه ولا نزوره، المتاحف دمّروها، صاروا يدفنوا الناس في الطرق، الناس بطّلت تعرف تتحرّك.

كان هالقيتَ بناكل وبنشرب وعايشين حياة طبيعية، أجَت الحرب دمّرت كل إشي، كل إشي، المدرسة، كل إشي كنت أشارك فيه، راحت دورة التلاوة، كان هلقيت احنا منجزين في حفظ القرآن، كل شي راح، كنّا نروح على المسجد نحفظ بعد المدرسة أو قبل.

كنّا نرسم ونروح على دورات التلاوة، في المدرسة كان سجّلت بدورة تلاوة ودورة الصحافة والإذاعات المدرسية كنت أشارك فيها، كل شي اتدّمر، كنت حاطّه في بالي إنّي اكون طالبة مجتهدة هذه السنة، مشاركش في أشياء كتيرة، بس كل شي الاحتلال دمّرلنا إياه بقاله وقت. 

لمّا ضربوا دارنا قذيفة جابوا ع دارنا مصاب، كانت إصابته يعني بسيطة ممكن يعالجوها، بس لأنّه فيش علاج ومحدّش بيجيبلنا علاج استشهد تاني يوم، والعِيلة صارت تصيّح وأمّه زعلت عليه كتير، صعب الفقد، انتوا مجربتهوش زي هيك، لو احنا بدنا ننال الشهادة ومتأكدين منها، كان ضلّينا ببيوتنا ما بنخاف من القصف لأنّه الشهادة بننالها أحسن مرتبة في الجنّة.

بس احنا بنخاف إنّه إذا تصاوبنا، لا في مستشفيات ترعانا من الجروح والآلام وهنتوجّع كتير، بالأخير هنموت، بس صعبة هاي تكون الإشي، والجوع غير الناس هلقيت صارت تموت من الجوع ومن البرد ومن قلّة الـ .. يعني هالقيتَ الناس طحنت الرُزْ وأكلته طحنت قمح الحيوانات طحنت..

كل إشي طحنته، كل إشي، الشعير، صارت الناس تحكي احنا نهّقنا (كالحمار بسبب أكل علف الحيوانات) فيش إشي ناكله، فيش إشي ناكله بالمرّه كنّا .. لا في خيارة ولا في بندورة ولا في جزرة ولا إشي، صاروا الصغار نفسهم في حبة فراولة، نفسنا في أشياء كتيرة، بس فيش إشي متوفر.

دخّلوا لنا علبتين فاصوليا في ها الكوبون - الذي توزعه الأونروا - وجخونا عليهن - أي منّوا علينا -، يا عمّي بدهم يخلّصوا ع الحرب واحنا بنزرع وبناكل من ايدينا، بس تخلّص ها الحرب الناس والله جاعت.

هلقيت وجبة واحدة في اليوم ورز والناس مش ملاقياها، والكتير الإشي غالي، بطّل الناس معها أكل، والبرد الناس كلها بتنام في الخيام بتغرق من المطر، الناس بتصحى اللي انولدوا جديد مش ملاقيين إلهم أواعي، بيموتوا من البرد، في كتير ماتوا من البرد. 

رمضان جاي علينا وعليكوا، كل عام وانتوا بخير، انتوا هتمتلي دوركم بالأكل، بالخضار وبالفواكة، هتتسحّروا وهتفطروا، وهتتحيّروا شو هتاكلوا الصبح والمسا، بس احنا اصلاً جعانين قبل ما يجي رمضان، انتوا بستنّوا انكوا تلاقوا خبر أن أهل غزة ماتت جوعاً.

احنا يا ناس بشر، احنا بنحسّ، احنا يا عالم بشر، احنا مش مجرد خبر، ولا بتستنّوا ينكتب بالتاريخ  أهل غزة ماتت من الجوع، اذا ما ساعدتوناش اليوم وقت ايش بدكوا تساعدونا، لمّا تفرحوا إن والله أهل غزة ماتوا من الجوع، وقت ايش بدكوا تساعدونا، احنا بنستنّى منكو المساعدة يا المسلمين، يا العرب، وين نَخْوِتْكوا اللي كانت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.

أنا رهف المقيّد من مخيّم جباليا، فوق أحد ركام البيوت التي استهدفها الاحتلال الصهيوني، وما زال تحت هذا الركام عدد كبير من الشهداء، تحت الأنقاض، تحت هذا الركام الذي أنا أجلس فوقه، بيجاورني الآن عدد كبير من الشهداء اللي مقدرناش نطولهم، لا يزالون الآن تحت الأنقاض والردم.


الوسوم

شارك


المصادر


x