كيف هي حياة النساء والفتيات في غزة خلال الحرب في مخيمات النزوح؟



الوقت المقدر للقراءة: 17 دقيقة
منذ 9 أشهر

كانت الفوط صحية تتوفر بكثرة وذلك في بدايات الحرب، ولكن بعد أن تم فصل الشمال عن الجنوب بالحاجز على شارع صلاح الدين، بدأت الأزمة واضحة، نظرًا لأن مخازن البضائع موجودة في الشمال، ولكنها في فترة من الفترات، صارت نادرة حتى غير متوفرة بتاتًا في قطاع غزّة، بعد أن منعت مصر دخول المساعدات عبر معبر رفح البرّي.

بدأت تتوفر الفوط الصحية من جديد، بعد السماح بدخول بعض شاحنات المساعدات، ولكن بكميات قليلة لا تسدّ الاحتياجات الشخصية لدى النساء والفتيات. ومن الجدير بالذكر أن الكمية التي تحصل عليها النساء في مراكز الإيواء، قليلة جدًا ولا تكفي مثلًا، عائلة مكونة من 4 إناث تحصل على 3 أكياس من الفوط الصحية، وهذه الكمية غير كافية لشخصين في الأيام الطبيعية. فكم حري بالظروف النفسية الصعبة الراهنة التي تلمّ بالنساء، فبعض النساء باتت تحيض بين 3-4 مرات في الشهر.

وتقول فداء وهي إحدى نازحات الخِيام، "منذ نزوحنا إلى الخيام، صار صعبًا أن تجد مكانًا لتقضي فيه حاجتك، أو حتى لتغتسلي، لذا قررنا أن نتناول حبوب منع الحمل. نعم ستؤثر علينا بالطبع، ستحدث الكوارث في الهرمونات، ولكن ما باليد حيلة".

أما آية وهي نازحة في منزل في جنوب القطاع، قالت "لقد اضطررنا لاستخدام حفاضات الأطفال عندما أصبحت الفوط الصحية غير متوفرة. كل فتاة منا كانت تستخدم حفاضة واحدة كل يوم. كان علينا أن نقتصد لأجل سعرها المرتفع، وانعدام الماء، وصعوبة دخول دورة المياه".

ما هي بدائل الفوط الصحية، وكيف يؤثر تغييرها صحيًا على النساء؟

تميل النساء عادةً لعدم التغيير نوع منتجات العناية الخاصة بها، والتي اعتادت عليه لسنوات وباتت تستخدمه بانتظام في حياتها اليومية، كمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والفوط الصحية. وذلك لتجنب عوارض الحساسية، خصوصًا أن جلد وبشرة النساء حساسة وتتأثر كثيرًا بالتغييرات، والأمر الذي يمكن أن يسبب لها التهابات وحساسية وغيرها.

ولكن مع بدء الحروب وتعمق الأزمة في القطاع، أصبحت رفاهية استخدام أي منتج اعتادت عليه النساء صعبة بل مستحيلة. فمثلاً نوع الفوط المستخدمة في الأيام الطبيعية في غزّة لا توفرها المساعدات التي تحصل عليها النساء في مراكز الإيواء أو مخيمات اللجوء أو حتى في البضائع الموجودة في الأسواق.

وأصبحت النساء تستخدم أي نوع من الفوط الصحية المتوفرة. تسبب تغيير الفوط واستخدام نوع جديد كل مرّة، بأن تصاب أغلب النساء بالبكتيريا والالتهابات، غير أن بعض هذه الأنواع رديئة جدًا، وهي سبب آخر لزيادة الإصابة بالأمراض.

في الحديث عن بدائل الفوط، فهي معدومة تقريبًا، في الماضي كانت النساء تستخدم قطع قماش موجودة لديها، أو حتى قطع محارم كبيرة " تشبه الكوافيل"، ولكن بما أن الغزّيين نزحوا من بيوتهم بالقليل من الملابس والحاجيات،  فلم تستطع النساء استخدام قطع قماش أو حتى ملابس قديمة، أما بالنسبة للكوافيل فهي غير متوفرة وإن توفرت فإن سعرها مرتفع، ولن تستطيع الكثير من النساء توفير سعرها وتوفير عدد كبير منها، أربع أو ثلاث مرات كل شهر للكثير من الأفراد. لذلك تضطر النساء لشراء الفوط من السوق بضعف سعرها الطبيعي.

تقول ربا وهي نازحة في مدرسة للإيواء، "عندما اختفت الفوط الصحية من الأسواق، كان علينا أن نقتصد بما لدينا"، وتضيف، "العاديّ أن تجدد الفتاة الفوطة كل ساعتين لكي تتجنب الروائح الكريهة والأمراض، ولكن نحن في ظرف غير إنساني يضطرنا لاستخدام فوطة واحدة فقط كل يوم.

ما هي بدائل المسكنات والقربة السخنة؟

تجيب عبير وهي نازحة في مدرسة للإيواء، "كل شهر أثناء دورتي الشهرية، يحضر زوجي الكثير من مسكنات الألم، والمشروبات الساخنة والقربة السخنة أيضًا"، وتقول "في أماكن النزوح كل هذه الرفاهيات غير موجودة، عليكِ أن تتحملي آلام الدورة والتشنجات لسبعة أيامٍ كاملة، لا يمكنك حتى أن تصرخي، أو أن تتألمي كما تريدين، في غرفة يمتلىء كل شبرٍ منها بالنازحين". وتضيف "أن تستيقظي في منتصف الليل لتذهبي إلى دورة المياه في مركز الإيواء، هو فيلم رعب بحد ذاته".

وتشرح عبير عن خوفها من الذهاب إلى الحمام ليلًا بأنه "لا كهرباء في مركز الإيواء، القصف من كل صوبٍ وميل، الطريق طويل ومخيف، ناهيك عن البرد، وعن عدد الأجساد التي عليك أن تقفز من فوقها حتى تصل إلى باب الصف. أحيانًا أجبرُ نفسي أن أنتظر حتى الصباح، أو حتى إلى أن يستيقظ شخص ما فأمشي برفقته".

كيف تتعامل نساء غزة مع موضوع انعدام المياه النظيفة؟

تحتاج الدورة الشهرية، كما هو معروف، إلى نظافة تامة. بدءًا من الفوط الصحية، الملابس الداخلية، المياه النظيفة، الصابون والمعقمات، دورة مياه نظيفة. من المهم التنويه بأن دورات المياه في المدارس يستخدمها آلاف الأشخاص النازحين في المراكز، غير أنها لا يتم تعقيمها بشكل مناسب، نظرًا لقلة المياه وعدم توفر مواد تنظيف. فدورة المياه التي من المفترض أن يستخدمها من شخص إلى أربعة أشخاص في الوضع الطبيعي، أصبحت تُستخدم من قِبل أكثر من خمسة ألاف نازح، بالإضافة إلى مشكلة شُح المياه والتي إن توفرت فهي غير نظيفة. 

أصبح بعض النازحين يلجؤون إلى استخدام أقراص الكلور لأجل تعقيم المياه، ولكن حتى هذه الأقراص غير متوفرة دائمًا. وإن توافرت فإنها لن تؤدي ذلك الدور الفعّال في تنقية المياه.

بالنسبة لتسخين المياه، فإنك تحتاج إلى غاز أو الحطب. وبما إن الغاز غير متوفر بعد إغلاق الإحتلال للمعابر؛ صار النازحون يلجؤون إلى إشعال الحطب لتسخين المياه مرّة مثلاً كل اسبوع أو حتى عشرة أيام، بالكاد كل شخص يحصل على لتر إلى ثلاثة لتر من الماء والتي إن توافرت ستكون من أجل الاغتسال وليس تعقيم دورات المياه.

كما لا تستطيع أغلب العائلات في غزّة تحمل تكاليف شراء الحطب، نظرًا لارتفاع سعره، فبعض النساء يضطررن إلى المشي مسافات طويلة للمستشفيات من أجل استخدام دورة المياه الاغتسال.

والبعض الأخر يضطر إلى الذهاب لبيوت غير النازحين واستئذانهم من أجل استخدام دورة المياه وقضاء الحاجة، وعن هذا الأمر تقول ربا: "لكي تستحم عليك أن تسلك طريقًا للبئر وتصطف في الطابور عليه وتنتظر لساعات لتعبئ الماء وترجع به للمدرسة وتعود لتصطف في طابور الحمام وحين يأتيك الدور، عليك أن تستحم بسرعة لأن العشرات في الطابور ينتظرونك على الباب"

كيف تتعامل النساء مع عدم تواجد قدر كافي من الملابس؟

تقول ربا: عندما نزحنا إلى رفح، لم يكن لدينا سوى قطعتان ملابس لكل شخص منا، اضطررنا حينها إلى شراء بعض الملابس من البالة " ملابس مستخدمة من قبل" . ولكن بعد أن صار في رفح مليون ونصف نازح، حتى ملابس البالة اختفت من السوق. أما مرام فتؤكد أنه مع مع اشتداد البرد عليهم، نضطر أنا  وأمي أن نتناوب على ارتداء الجاكيت الوحيد لدينا، أرتديه أنا في النهار وأمي ترتديه في الليل.

كيف يؤثر موضوع انعدام الخصوصية على النساء في ظل النزوح؟

عن هذه التجربة تعيد آية التي مازالت تنزح برفقة عائلتها في رفح تعريف معنى النزوح واختصاره بالقول: "أن تنزح يعني أن تتخلى عن خصوصيتك، وعن راحتك النفسية"

وتضيف: كنا عشرين شخص في مساحة لا تتعدى التسعين مترًا.  إن بدء طفل من الأطفال بالبكاء صباحًا، يستيقظ التسعة عشر شخصًا بعدها. لا أذكر أنني استغرقت في النوم مذ بدأت رحلة النزوح. ناهيك عن النوم في لباس الصلاة، وعن الحرج من  دخول الحمام، والإصابة بالإمساك تارة، وبالإسهال تارة أخرى.

أما ربا فتتشارك عائلتها في مركز الإيواء مع سبع عائلات أخرى من النازحين غرفةً واحدة، كلهم في نفس الغرفة يتامون ويستيقضون ويأكلون معا، وعند النوم ليلًا لا يستطيع أحد منهم أن يخطو إلا ويمشي على جسد أحدٍ آخر من النيام في الفصل المدرسي الذي تحول إلى ملجأ.

وعن الخصوصية المعدومة في مخيمات النزوح تقول: "حتى إذا أردتُ تغيير ملابسي فلا مكان هنا، لكي أغيّر ملابسي أستعين بأختي لترفع غطاءً يشكل ستارًا لي أبدّل ملابسي خلفه، ولا خصوصية لأستطيع أن أتحدث مع أختي بحرية، ولا أستطيع الغضب، الغضب والتأثر وحتى البكاء هنا رفاهية، التعبير عن المزاج هذا أبسط ما تحتاجه النفس البشرية، لكنه غير متاحٍ هنا"

تضيف قائلة: كل احتياجاتنا التافهة كالاهتمام بالنفس، كغسل الشعر كل يومين، كالنظافة الشخصية، كالبكاء حينما أحتاج، كل هذا رفاهية غير متاحة هنا.

أمام مرام فلم تخلع حجابها منذ أكثر من شهرين، وتقول: "لقد نسيت شكلي من دون حجاب، لقد بات جزءاً مني، شهران كانا كفيلان بأن اصاب بالإلتهابات الجلدية والقشرة، أستحم مرة واحدة كل عشرة أيام، اضع الحجاب بمجرد انتهائي من الاستحمام، دون أن يجف شعري أو حتى أن يتنفس"

اقرأ المزيد

اقرأ المزيد من قسم شهادات

الوسوم

شارك


المصادر


x