شهادات أمهات حوامل وحديثات الولادة في غزة عن الحرب



الوقت المقدر للقراءة: 26 دقيقة
منذ 7 أشهر

المقدمة

 

 يولد طفل كل 10 دقائق في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة، وأفادت منظمة «اليونيسف» بأن 20 ألف طفل ولدوا بقطاع غزة، في خضم الحرب منذ 7 أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن وضع النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة في القطاع «لا يُصدق»، وأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومكثفة من أجلهم. 

 

وكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في غزة أن 60 ألف امرأة حامل في غزة بلا خدمات. ومنذ بداية العدوان على القطاع عدد كبير من النساء عشن حالات ولادة مبكرة وحالات إجهاض كثيرة بسبب الخوف والهلع جراء القصف الإسرائيلي المتواصل.

 

وصفت الأمم المتحدة ما تمارسه إسرائيل في حربها على قطاع غزة وحرمان النساء والرضع من تلقي الرعاية الصحية اللازمة "بالعنف الإنجاني"،حيث أن آلاف النساء اللواتي يقدّر عددهن بنحو 50 ألف امرأة حامل في غزة، والاتي يلدن في ظروف مزرية وقاسية.

 

إذ تضطر أكثر من 180 امرأة يوميًا على الولادة في ظروف غير إنسانية ومهينة وخطيرة، في حين أن 15% من هذه الولادات تواجه مضاعفات تطلب تدخلًا طبيًا خلال الولادة وقبلها، وأفادت تقارير بوفاة العديد من النساء بسبب تلك المضاعفات أو القصف.

 

وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة في فترة الحيض لا يحصلن إلا بشكل محدود على مستلزمات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية.

 

تلد النساء في منازلهن المحاصرة، في الشارع، في مدارس الإيواء، بلا مستفيات أو رعاية طبية لهن ولموالديهن، لأن الاحتلال الإسرائيلي أخرج كافة المنظومة الطبية في غزة عن الخدمة.

 

العنف الاستعماري والعنف الإنجابي في غزة 

 


تصف إحدى النساء جريمة اقترفتها الدبابة الإسرائيلية بحق امرأة حامل في الشارع ، وتقول، إن الدبابة الإسرائيلية داست على امرأة حامل ذهابًا وإيابًا حتى خرج جنينها من رحمها وتوفي الاثنان في الشارع، وهذه الرواية تتقاطع مع ما روته صابرين سالم الناجية من مجزرة عائلة سالم التي ارتكبها الاحتلال بحق عائلاتها.

 

وورد فيها، "وقفت (الدبابة) فوق الجثث وموتت الجثث وفي ناس نسوان بقين حوامل كمان طلعوا الجنين من جوا بطنهم".  لقراءة الشهادة كاملة 

 

يأتي النساء المخاض غفلة، كما حدث مع إحدى السيدات التي ولدت في الساعة 3 فجراً، ولم تستطع الاتصال بالإسعاف بسبب غيابها عن الوعي، فأنجبت في المنزل، حيث  لم تجد أي أداة لتقطع بها الحبل السري للجنين، فحملت طفلها إلى صدرها ومشت على الأقدام ساعة ونصف حتى وصلت إلى أقرب مركز صحي لقطع الحبل السري، ولتلقي الرعاية في حال توفرت.

 

بعد انتظار دام  بعد 10 سنوات، أنجبت السيدة (د.م) طفلها الأول بعد محاولات مضنية وتكبدها تكاليف نفقات زرع الأجنة الباهظة، وانتظرت بفارغ الصبر أول حضن لطفلها في أول لحظات حياته، ولكنها حرمت منها بعد دخولها في غيبوبة، كونها ولدت بعملية قيصرية دون أي تخدير.

 

فشعرت بالسكين تمزق طبقات بطنها، وسمعت صوته يمزق لحمها، شعرت بكل غرزة، يعني في كل مرة تخترق الإبرة لحمها ويسحب الخيط كانت تشعر به، وفي كل مرة قام الطبيب بشد اللحم معًا ويعقد الخيط، فغابت عن الوعي.

 

الولادة المبكرة بسبب هول الحرب والنزوح

تؤكّد القابلة في مستشفى ناصر الطبي، سحر عبد السميع، أن النساء الحوامل، اللواتي ينزحن مشيًا على الأقدام ويمشين لمسافات طويلة يتعرضن لمضاعفات ولمشاكل صحية بسبب النزوح والتوتر بالإضافة إلى نقص المياه والطعام.

 

وقالت القابلة سحر ، لبرنامج "غزة اليوم"، إن "من أكثر المشكلات التي تواجهنا هي التهابات البول بسبب النقص الشديد في شرب المياه الملوثة لأن المياه النظيفة غير متوفرة، وأيضا حالات النزيف لعدم وجود المواصلات حيث تضطر الأمهات للمشي مسافات طويلة مثلا من غزة إلى خان يونس، فيُسبب لها الإرهاق الشديد والتعب نزيفًا".

 

قالت نور بدوان البالغة من العمر (27 عامًا) وهي نازحة من مدينة غزة، إن استنشاقها لـ"دخان القصف الكثيف وقنابل الغاز والفوسفور الأبيض الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، والسير في رحلة نزوح لمسافات طويلة، حفز لديّ آلام المخاض المبكر". 

 

وتصف نور ما مرت به خلال نزوحها وهي حامل، بـ"الرحلة القاسية والمرعبة حيث استمرت لساعات طويلة مشيًا على الأقدام".

 

تروي الشاهدة (ي، ع) بأن امرأة ولدت توأمًا، قبل شهرين من موعد الإنجاب المحدد، لأنها مشت لأكثر من 10 ساعات عندما نزحت من غزة إلى رفح، ثم توفي توأمها لعدم وجود إمدادات أوكسجين في المستشفى.

 

الولادة تحت القصف

 

تصف الأم حديثة الولادة (بلا اسم) كيف ولدت ابنها الذي اسمته "رائد" تحت القصف، وتقول "تشتت مشاعري بين الانتباه لإبني والخوف من القصف" وذلك  لأنها ولدت طفلها تحت القصف، وتضيف "كل ما يسمع ابني القصف يرتجف جسده بالكامل، وينتبه لأي صوت، ويخاف".

 

وتتابع حديثها حول الظروف التي أنجبت بها ابنها وما تبعها، "مشيت عندما جاءني المخاض من معسكر جباليا لمستشفى كمال عدوان مشيًا على الأقدام تحت القصف وبين الردم، وشعرت بالكثير من الوجع وكنت تعبانة. لم يكن هناك غذاء صحي، ولم تكن الظروف مهيأة للأم والطفل، ولم تتوفر الفيتامينات والأدوية التي تحتجها أي سيدة حامل، لذلك لم أتناولها.

 

منذ ولادة طفلي حتى اليوم وهو مريض، كل يوم دواء جديد، وأحياناً لا أجد، طفلي أنهكه المرض، وصارت عنده حساسية صدر، وسخونة، حتى تطعيم لم يأخذ. كانت أمنيتي أن يعيش طفلي في بيئة سليمة وآمنة، وليست حياة سيئة، من الحرب، والدمار".

 

تسرد والدة الطفل معاذ المصري في شهادتها، "لم تصلنا المساعدات نحن النساء الحوامل لتعيننا أثناء المخاض والولادة، شخصيًا أنا سبحت من تحت الردم والركام وكنت حاملًا، لم يساعدني أحد ولم يفحصني أحد، وحين ولدت قمنا بربط السرة بحبل.

 

وأحضروا مقصًا، ووضعناه في المياه السخنة، وعقمناها، فلا شيء مهيأ للأم ولا للطفل، حتى الطعام غير موجود وهو ضروري لدر الحليب ولإرضاع الطفل، الطفل لا يشبع ولا يوجد حليب للأطفال". وجل ما تتمناه هذه الأم لطفلها عيشة سعيدة، وحرة، بلا قصف ولا مخاوف وقلق.

 

الحوامل ودرب النزوح الموجع

 


السيدة فداء عيسى من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة وتبلغ من العمر  28 عامًا، أثناء نزوحها جنوبًا لتنجو بجنينها اصطدمت بحواجز تفتيش الاحتلال. أُجبرت وعائلتها على الانتظار لمدة خمس ساعات بين الساعة 10 صباحًا و3 بعد الظهر، على الحاحز ، ولم يسمح لها بالجلوس رغم معرفتهم بأنها حامل.

 

تقول في شهادتها "اقترب مني أحد الجنود وأمرني بالوقوف والجلوس لأكثر من 30 دقيقة، على الرغم من علمه بحملي، والتغيير المستمر بين الوقوف والجلوس وبطني أمامي كان مؤلمًا. وبدأت أنزف مرة أخرى وكان الدم يغطي ملابسي ولكن لم أستطع الشكوى… انهمرت الدموع على خدي. في تلك اللحظة، تمنيت لو لم أكن حاملاً". (الشهادة كاملة على موقع ميدل إيست آي)

 

أفادت مسؤولة أممية إن إسرائيل تمارس العنف الإنجابي ضد النساء الفلسطينيات والأطفال الحديثي الولادة والرضع والأطفال"، وتضيف أن هذا القهر والعنف يرقى "إلى وصفه بأنه انتهاك لحق الإنسان في الحياة بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإلى اعتباره عمل إبادة جماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية".

 

ضربها الجندي على بطنها حامل في الشهر الخامس وهددها بالاغتصاب

 

في إحدى الشهادات التي وردت لشبكة الجزيرة مباشر عن سيدة حامل من حي زيتون في قطاع غزة حامل بشهرها الخامس استجوبها جنود الاحتلال وهددوها بالاغتصاب وضربوها على بطنها رغم علمهم بأنها حامل، وتقول" أخذوا رقم هويتي على نقطة التفتيش في صلاح الدين عند وادي غزة، فصلوني عن النساء وأخذوني بعيدًا.

 

وأمر الضابط أحد الجنود القناصة أن يوجه سلاحه على رأسي، ثم قالي لي، الضابط "روحي على الممر "، فذهبت وصرت في خيمة مفتوحة وفيها 10 جنديات وقالت لي الجندية من بعيد، انزعي ملابسك وطلبوا مني التجرّد كل ملابسي فقط بالملابس الداخلية، ثم  فتشتني الجندية بألة الليزر، ثم  كلبشوني وعصبوا عيوني".

 

 وتضيف السيدة، "و أخذني الجندي مكانًا تهت وأنا أسير إليه لا أعرف ما هو كنت أسير بين التلال ووصلنا ثم أجلسوني على كرسي وصار يستجوني، وين كنت بالسابع من أكتوبر وين كان زوجك؟ وين كان عمك؟ وين الشهيد الفلاني كان؟ وأنا جديدة على العيلة تزوجت حديثًا من سنة ونصف ولا أعرف أحدًا من عائلة زوجي".

وتتابع عندما أخبره بأنني لا أعلم "كان يضربني، وضربني على بطني وأنا حامل بالشهر الخامس ، ما زال بطني يؤلمني حتى الآن، وعندما رفضت الحديث صار يهدد بجنيني وبنفسي وهدنني بأن يغتصبني ويترك باقي الجنود يغتصبوني، وقلت له بلحظتها أطلق النار علي، فأطلق سراحي".  

 

المعاناة بعد ولادة في خيمة النزوح

 

النازحة جيهان الطرشاوي اضطرت لوضع مولودها في خيمة النزوح في مركز للإيواء في دير البلح، وسط أجواء باردة وهطول الأمطار على قطاع غزة، ولم تتمكن جيهان من الوصول إلى المستشفى بسبب انقطاع الاتصالات وعدم قدرة الاسعاف على التحرك ليلًا بسبب القصف الإسرائيلي.

 

وتقول " عدت من المستشفى  في الليل، وأمطرت علينا وعلى المولود الجديد الذي بحضني، ونحن جالسين في الخيام نازلين من البرج، الجو بارد لأن الخيم يدخل لها الهواء طول الليل يعني باردة ونظل نغطي في البيبي عشان ما يبرد".

 

وتشرح عن الأحوال المزرية في خيمة النزوح بالنسبة لسيدة وضعت جنينها حديثًا، "الوضع مأساوي بالمرة يعني كل شيء معاناة الماء، معاناة الحمامات، معاناة الخيمة. يعني تحتنا ونحن نائمين في ماء تحت الفراش يعني الوضع بالمرة عندما تحاول تصلح وتضبط بالخيمة ينزل علينا ماء". 

 

تحرم هؤلاء من أبسط الحقوق المرأة وتقول جيهان بهذا الخصوص، " يعني أنا كان نفسي عندما أولد أكون في بيتي أولد في مكان آمن يعني أحسن من هيك مكان يعني أعرف أقعد فيه أدفي الولد فيه يمكن نكون في وضع أحسن من هذا"

 

وتتابع،" الوضع بالمرة مأساوي يعني حتى كل شيء يعني غائب هذا الوضع البامبرز الحليب كل شيء غالي. الوضع المعيشي صعب، الأكل والشرب كل حاجة".

 

تحكي والدة الطفلة حديث الولادة يارا، "المكان الذي ولدت فيه لم يكن غرفة ولادة التي تلد فيها النساء، ولم أحظَ بأي نوع من الخصوصية فقد اجتمع من حولي النازحون كبارًا صغارًا، ولدت بخيمة النزوح بلا عناية ولا رعاية، لم تتيسر لي حبوب الفولك أسيد والحديد، ولا الفيتامينات ولا الكالسيوم، الذي دأبته على تناولها في الأشهر الأخيرةمن الحمل وهي من الضروريات في حملي". 

 

اليتم قبل الولادة

 

وفقًا لتقديرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة "تُقتل اثنتان من الأمهات كل ساعة في غزة"، وأكدت الهيئة الأممية أن "أطفال غزة يفقدون حبل الأمان الوحيد، ألا وهو والديهم". 

 


في حاضنات الأطفال في المستشفيات جنوب القطاع تسجل الممرضات الأطفال بأسماء الأمهات لأن الأم ماتت قبل أن تسمي جنينها، تقول الدكتورة ورد العواودة عن إحدى الحالات، إن"هذه طفلة هنادي أبو عشمة، التي نجت بأعجوبة وتمت ولادتها بشكل عاجل جدًا بولادة قيصرية، وقد استشهدت أمها وكان دماغها خارج رأسها عند الولادة، فالطفلة ولدت بعد استشهاد أمها".

 

وفاة الأطفال بعد الولادة

 

ولدت السيدة آية بعملية قيصرية بلا مخدر، وبلا مستشفيات وبلا رعاية طبية، في شمالي غزة، وأنجت توأمًا وأخذ أهلها الرضع إلى الحضانات بكمال عدوان، ولكن بسبب الحصار والحرب توفيتا وكانتا بنتين جميلتين كما يصفهما الوالد.

 

ولكن حتى اللحظة تعتقد أمهما أن ابنتيها بصحة جيدة وتتلقيا الرعاية بالحضانة في كمال عدوان. وهي الآن منشغلة وتغزل لهن فساتين الصوف، ولا يعرف أهلها  كيف يخبرونها بالحقيقة، والد البنات، صهيب إنهار حين سمع بخبر وفاة ابنتيه.  

 

نسبة الإجهاض بازدياد 

 

تزداد حالات الإجهاض بسبب الحرب ويستقبل أحد المشافي في جنوبي قطاع غزة ما يزيد عن 80 حالة يوميًا وهو ما يفوق قدرته الاستيعابية، وتقول الطبيبة أم صالح الشيخ النسائية، إن " إن عدد الحالات زاد 5 أضعاف، وتحدث حالات الإجهاض بسبب البرد وظروف النزوح الصعبة، والرعب والحرب، لا يوجد لدينا أسرة لتسرير المريضات".

 

ويوجد في رفح لوحدها ما يزيد عن 50 ألف سيدة حامل في المخيمات، ويعانين من قلة الرعاية والدواء. ولاحظت الطواقم الطبية مؤخرًا أن حجم المواليد والأجنة صغير جدًا.

 

السيدة أريج عمر نازحة فلسطينية تصف كيف أجهضت جنينها قبل فترة قصيرة من موعد الإنجاب، "ولدت قيصري ولا يوجد طعام جيد ولا مياه ولا مكان للراحة تعبت كثيرًا، وعندما اقترب موعد الإنجاب، أجريت لي عملية قيصرية ووجدوا نزيف داخل بطني وعلى وجه الجنين ووجدوا الجنين متوفيًا".

 

يا رب .. قالت سيدتنا مريم في أضعف لحظة في حياة المرأة :"يا ليتني مِتُ قبل هذا وكنت نسيًا منسيا"، فماذا يقُلنَ هؤلاءِ يا الله؟

 

 


الوسوم

شارك


المصادر


x