شهادة عاصم النبيه عن وضع الغذاء في مدينة غزة في اليوم الـ 67 للحرب على غزة



الوقت المقدر للقراءة: 16 دقيقة
منذ 10 أشهر

هذا النص هو شهادة من قلب مدينة غزة التي انقطعت أخبارها منذ الاجتياح البري الذي نفذته قوات الاحتلال الصهيوني لأجزاء واسعة من قطاع غزة، تمكنت بتاريخ 12 ديسمبر 2023 في اليوم الـ 67 للحرب المستمرة، تمكنت من الاتصال بالصديق عاصم النبيه وهو عضو لجنة طوارئ بلدية غزة وتسجيل شهادته حول الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في مدينة غزة، وحول وضع الغذاء والماء، وسجِّلَتُ شهادته صوتيا وتفريغها في هذا النص دون تعديل يُذكر إلا من بعض التعديلات اللغوية لضبط النص. 

يتحدث عاصم: الحرب الدائرة في مدينة غزة الآن تنقسم إلى قسمين، الأول له علاقة بعدم توفر المعلومات والأخبار حول حقيقة حرب الإبادة التي تحدث في المدينة، وأنا الآن أتحدث عن الشمال، حيث مدينة غزة التي أتواجد فيها منذ بداية الحرب تقريباً، وأجولها بحكم عملي في البلدية. والحرب الثانية هي حرب ماء وغذاء، وهذه تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. 

حرب الإبادة دائرة، ولكنّ ما يصل في الإعلام عن شمالي القطاع لا يعبّر أبداً عن الواقع، بِمعنى أن الأرقام من البارح التي ذُكِرَت على الإعلام أمس عن أعداد الشهداء أنا مُتَأكد ميّة بالميّة إنْها غلط. ليش؟ لأنّو فعلياً الأرقام إلّي بتطلع من شمال غزّة وبالتحديد من المدينة هي أرقام غير صحيحة وغير منطقية. 

فمثلاً، حين يقولون أمس إنّ مجموع الشهداء في غزّة المدينة 215 شهيداً، فيما لي زميلي فقد العشرات في قصف منزلهم من عائلة سالم في مشروع في مشروع بيت لاهيا، فمش منطقي يعني!، الإعلام يغطّي جزئياً كون الأرقام غير دقيقة. 

كل ما يُغَطَّى هو عن خان يونس، وأنا متابع أخبار الجزيرة عبر الراديو أولاً بأوّل، التغطية من الشمال هي فعلياً شبه معدومة. ورغم كل الجهد إلّي موجود والي بيصير، لكنها فعلياً لا تعبّر عن الواقع. ما فِشْ صور بتِطلع من الشجاعية، ما فِش صور بتِطلع من المناطق إلّي بتنضرب يومياً، وبيطلعلك خبر كل ثلاث/أربع ساعات.

هذا في ما يتعلق بـنُص الحرب الأوّل، أما النص الثاني فكُلْ يوم بتِطلع فيه الشمس بتِبدا الناس تفكّر، إلّي هو كيفْ تأمّن الحدّ الأدنى من الأكل ومن الميّة، في ناس أنا شُفتهم والتقيهم ما تحمّموش مثلاً من أربعين، أو من خمسين يوم، غير عن الكوارث البيئية والصحية إلّي بتصيب الناس سواء أمراض جلدية أو معوية أو غير وغيراته، وأنا هنا لا أتحدث عن طبقة دوناً عن أخرى، إنّما عن طبقات المجتمع كافة.

بخصوص الأكل فالآن صار في مثلاً تجمّعات لبسطات صغيرة في شارع الصحابة، في شارع يافا، في الجزء الشرقي من شارع الوحدة تحديداً وين الجرجاوي، عند مضخة أبو عاصي، محطة أبو عاصي، وهي بسطات بتبيع شوية إندومي أو شوية رز مثلاً أو شوية عدس، لكن بكميات محدودة وبأسعار خيالية جداً.

أنا اشتريت قبل أسبوع 4 كيلو غرامات طحين بمئة شيكل، أي بارتفاع بنحو 12 ضعفاً مقارنة بسعره الأساسي: ثمانية شيكلات (دولاران تقريباً) وطبعاً الناس صاروا يهنّوني إنّو ألف مبارك والله إنّو إنت لقيت 4 كيلو طحين!

أما الفواكه والخضار فمعدومة نهائياً... حتى الشغلات البسيطة زي البصل والبندورة والخيار مثلاً هاي الشغلات معدومة تماماً. مش موجودة، وهذا مش الآن فقط، بل فعلياً منذ بداية الحرب على غزّة.

سؤال: بس كيف عاصم لحتى الآن ما انتهت هاي الأشياء؟ يعني هل في مثلاً مخازن بتخزّن؟ هل في مثلاً دكاكين موجودة؟ 

يتحدث عاصم: الكميات محدودة جداً. يعني مثلاً أنا كأهلي إلّي هو أنت بتِحكي عن 52 شخص بمكان واحد، ما بين خَواتي وأبويا وأمي وأولاد خالتي وخالتي وأولاد عمتي... لهؤلاء جميعاً يُطبَخ فقط ما بين كيلو ونصف وكيلوين من الرز يومياً، حتى أنّ الأطفال يُعطَون بالكاسات لكي يكفي الأكل الجميع!

نعم، الكميات محدودة جداً والدليل غلاء الأسعار. يعني مثلاً البقّالات الصغيرة إلّي كان عندو 20 كيلو عدس، 20 كيلو رز، بدأ يبيعهم في البسطات، جزء من النازحين أخذوا من بيوتهم شوية رز شوية عدس، يعني كميات محدودة جداً! الطلب هائل وكبير فيما العرض قليل جداً، فتضاعفت الأسعار 10 مرات على الأقل.

مثلاً صندوق المياه المعدنية الذي يحتوي تسع قنانٍ بحجم 600 مل: طيب هذا إذا وجدته بيتباع بـ 30 شيكل، 30 لـ 40 شيكل في حين إنّو السعر الأصلي 4 شيكل! 

أصلاً فش مي كويسة "نظيفة" في البلد! الناس بتشرب فعلياً مية ملوثة ومية مالحة ومية مختلطة بالصرف الصحي... هي مية غزّة أصلاً ملوّثة من زمان. اليوم فش إلا بئر واحد تقريباً بيشتغل إلّي هو القريب من شارع الصحابة لأنّو منطقة شبه آمنة، واستهلاكه للسولار خفيف جداً، فالناس بتجيب، هذا مثلاً 10 لترات سولار، وهذا 5 لترات، وهذاك تنكة 20 لتر ليشغلوه بالحد الأدنى، وبتوقف العالم طوابير.

ولكن تقديراتي الشخصية بناء على ما ألاحظه في السوق، أو في البسطات أنّ الغذاء سينفذ  خلال أيام، هذا ما كنتُ أقوله للإعلام منذ ثلاثة أسابيع، إنّنا نعاني أزمة ماء وغذاء. حتى المعلّبات إلّي كانت موجودة في بداية الحرب مثل معلّبات التونة أو الفول أو الفاصولياء، هي غير موجودة الآن، يعني إذا إنت محظوظ بتلاقي مثلاً شوية إندومي أو شوية عدس أو شوية رز أو ما تبقى من التمر إلّي في ناس قصته عن الشجر قبل شهر، جزء منه خربان، ولكن الناس بتشتريه!

الناس حرفياً بتشتري أمور خربانة! مثل الطحين المنتهية صلاحيته، أو الرز المسوّس الناس بتشتريه الآن وبتعمل حالها مش شايفة وبتطبخ وبتاكل.

 فبيحاولوا يعتمدوا على الكرتون وعلى البلاستيك، فالبعض بِحاول يولّع بلاستيك، وبتعرف قديش في مشاكل صحية! حتى الخشب صار هناك الآن عمليات للبحث عنه! في ناس مثلاً بِحاولوا يروحوا عَ البيوت المقصوفة يطولوا منها شوية خشب، أو حتى عَ الشوارع يشوفوا إيش فيها شجر... بياخدوا الخشب مشان يقدروا يولعوا ويطبخوا، وبالتالي العملية هي عملية البقاء الآن!

مثلاً أنا وزملائي وأهالينا، يعني لا أعتقد أنّ هناك من يأكل أكثر من 400 إلى 500 سعرة حرارية يومياً. هذا يشمل كل ما نأكله... وهذا حال الأطفال إلّي يمكن بياكلوا من 200 إلى 300 سعرة حرارية.

سؤال: طيب عاصم بخصوص الناس الموجودين في المدارس، هل هم مسؤولون عن توفير غذائهم، أو أنّ هناك جهة معينة تتولى تغذيتهم؟

يتحدث عاصم: لا ما فش، ما فش حدا بتحمل مسؤوليتهم، فعلياً الناس الآن كل واحد لحاله، حتى مستشفى الشفاء هو الآن مش مستشفى. كنت هناك أمس وأوّل من أمس، هو عبارة عن مركز إيواء، ولكن من دون جهة راعية، مركز الناس تدبّر حالها فيه. يعني زي إحنا رجعنا إلى عصر الجمع والتنقيب قبل 2000 سنة... الناس بتطلع الصبح بتدوِّر على إشي تاكله، حتى المساعدات اللي بتدخل من معبر رفح محدودة ما بيوصلنا بالجهة الشمالية إشي منها.

يعني على حد علمي ما بيوصل، بالدليل مش موجود إشي!... لا إحنا كبلدية غزة استلمنا وقود ولا شفنا مساعدات غذائية وتموينية، وكمواطن يعني رحت أيام الهدنة على دوّار الكويت (بالقرب من شارع صلاح الدين) وهو المكان إلّي بتدخل منه الحافلات، عشان أشوف موضوع الوقود وشفت، إحنا فعلياً ما في مساعدات على الأقل في الفترة الحالية، يعني لا بعد الهدنة ولا حتى خلالها. ما دخل هي كميات محدودة جداً وشغلات مش مهمة، ولم تدخل مثلاً كميات من الوقود إلّي هي أهم شيء إحنا محتاجينه.

في الفترة الحالية ما بيدخل إشي... يعني نحن لا نرى طواقم للأمم المتحدة ولا للصليب الأحمر ولا حتى للمؤسسات الخيرية الصغيرة التي تتلقى تمويلها من تلك المنظمات... ما فش حدا عامل... المشكلة، وفق متابعتي للإعلام، أنّ الصورة إلّي طالعة تركِّز على خان يونس مكان مَ موجودين الإعلاميين.

أما الإشكالية الثانية، فليست في أنّ الصورة عن واقعنا غير واضحة، بل في أنّها مبسّطة، يعني الواقع ما بينحكاش عنه، سواء كان في الخسائر البشرية والقصف على المناطق الشمالية، أو من ناحية توفير الغذاء. 

انتهى.

اقرأ المزيد

اقرأ المزيد من قسم شهادات


الوسوم

شارك


المصادر


x