شهادة العامل حسن محمد براوي العطار حول تجربة اعتقاله داخل الخط الأخضر


هذه شهادة السيد حسن محمد براوي العطار حول تجربة اعتقاله من الناصرة داخل الخط الأخضر والتعذيب الذي تعرض له خلال فترة اعتقاله، تم توثيقها على الموقع الرسمي للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهذا نقل لشهادته كما وردت:


الوقت المقدر للقراءة: 19 دقيقة
منذ 8 أشهر

نص الشهادة:  

 

أنا المواطن حسن محمد براوي العطار، سكان مدينة جباليا – شمال قطاع غزة، صاحب الهوية 906690284 أسكن في منزل مكون من 3 طوابق مع اخواني ولدي شقة فيها، كنت صاحب مصنع خياطة في جباليا – دوار الجرو، أعمل في الدخل المحتل ودخلت بتصريح عمل قانوني منذ شهر فبراير 2021، عملت أول أيامي عامل نظافة ومن ثم انتقلت في شهر أبريل من العام نفسه للعمل في (شركة ساري الحسن للمواد الغذائية والتموينية القابضة) كعامل نقل "عتّال" واستمريت في العمل معهم حتى اعتقالي بتاريخ 10/10/2023.  كنت أبيت في مكان العمل في المنطقة الصناعية في مدينة المشهد، يبدأ داومي في الحادية عشر ظهرا، وينتهي في الخامسة مساءً. 

استيقظت من نومي صباح السابع من أكتوبر على صوت مكالمة من زوجتي تخبرني بوجود أصوات عالية لإطلاق نار بالقرب من المنزل في مدينة جباليا وتستأذن مني للإخلاء، فأجبتها: نعم، اخلي المنزل بسرعة، 

 وبعدها ذهبت لمتابعة الأخبار ورأيت ما حدث، بعدها بأربع ساعات ذهبت لدوامي في شركة الحسن، مرّ اليوم الأول من الحرب بسلام وكذلك الثاني، وفي اليوم الثالث من الحرب أي يوم 9/10/2023، بدأ تحرك الآليات والدبابات من موقع مجاور لمكان مبيتي، وبدأ الحديث عن اعتقالات عمال غزة داخل أوساط الشركة، وبدأ الشعور بالقلق والخوف ينتابني. 

وعند حوالي الساعة الواحدة ظهرا من تاريخ يوم 10/10/2023، كنت في طريقي ومتجه بواسطة شاحنة النقل الخاصة بالعمل إلى زبون في مدينة الناصرة، صادفنا حاجز الجيش، فقام بإيقاف حركة المرور للسماح لآليات الجيش بالعبور، أطلق سائق شاحنة الشركة زمور السيارة وبدأ بالاعتراض على الجندي الذي ينظم حركة المرور، ومن ثم أتى الجندي وطلب من السائق الهوية والرخصة، لكن المفاجئ أنه طلب مني أنا أيضا بطاقة الهوية الشخصية رغم أنني لست سائق، وعندما رأى أنني من غزة وجه سلاحه نحوي مباشرة وأمرني بالنزول من الشاحنة 

وطلب مني خلع ملابسي (باستثناء السروال) وتقدم جندي لتقييد يداي وقدمي بأصفاد حديدية، وعندما انتهى قام حوالي 20 جندي بمهاجمتي بشراسة وركلي بعد أن سقطت على الأرض في منتصف الطريق، ركلوني بأقدامهم وأحذيتهم العسكرية في بطني وفي خاصرتي، استمر هذا الضرب العنيف حوالي 5 دقائق وكنت أصرخ من شدة الألم. 

بعدما انتهوا تم اقتيادي عاريا لمركز شرطة (كفر قانا) وتم وضعي في زنزانة لوحدي وأتى اثنين من قوات الوحدة الخاصة ملثمين وأصحاب أجسام ضخمة وبدأوا بضربي بشدة والبصق علي وشتمي بألفاظ نابية مثل: (يا بن الزنا، يا بن الشر***، أنت إرهابي) وتوثق تعذيبي  وثم جاء سجانان وتم وضعي في زنزانة بمفردي وعند حوالي منتصف الليل جاءت قوة "نخشون" وفتحت الزنزانة التي كنت بداخلها وسألني ضابط: من أين أنت فأجبت: من غزة، وفورا قام بصفعي على وجهي وهاجمني برفقة بعض الجنود وقام بالدهس على وجهي بقدمه والضغط بقوة على منطقة البطن، وثم تم تقييدي ووضعي في باص الترحيلات مقيَّد، وتم ارسالي لسجن "تسالمون" في منطقة المغارة، وعند نزولي للسجن أخذني الجنود لغرفة مدير السجن، الذي أمرني الضابط بخلع ملابسي جميعها بما فيها (السروال الداخلي) وأخذ يوجه لي الكلام النابي وتهديدي بالاغتصاب وبعدها جاء بعض الجنود وقاموا بضربي بلكمات في بطني وعلى رأسي وأنا عاري تماما، وبعد انتهائهم أعطوني نفس الملابس التي كنت أرتديها وقمت بلبسها ثانيةً. 

  

أخذوني لغرفة التحقق من الشخصية وأخذ مني بصمة (صوت – عين – وجه) وبعدها اقتادوني لغرفة تحقيق وقام الضابط بطرح أسئلة عن أسرتي وعملي في غزة، وثم تم ارسالي لغرفة عزل 

مساحتها تقريبا 1*2، تحتوي فقط على كرسي افرنجي ويسيل من سقفها الماء، من شدة الألم في تلك الليلة نمت بسرعة وفي الصباح جاء السجان وقام بنقلي لزنزانة عادية يتواجد فيها معتقل غزاوي  عاجز (كفيف) تم اعتقاله خلال رحلة علاجه، ويظهر على جسده  آثار تعذيب حيث قال لي أنه تم ضربه بأداة حادة على مؤخرة رأسه، أول يومين لم يقدموا لنا سوى زجاجة ما صغيرة (نصف لتر) نشرب منها أنا والمعتقل الكفيف، وعندما لا تكفينا كنا نلجأ لفك رأس الشطاف الخاص بالكرسي الافرنجي ونشرب منه، وكان طعامنا عبارة عن بقايا طعام سجناء جنائيين متواجدين في نفس السجن، 

 وذات ليلة دخل أحد الضباط الزنزانة وقال لي: من أين أنت؟ ولما أخبرته من غزة، انهال عليّ بالضرب وبدأ بركلي بقدمه وشتم الرجل العجوز الكفيف الذي كان معي وظلوا يرددوا في وجهه (أعور، أعور، لا يرى شيء)، وفي خامس أيامي هناك فوجئت بباب الزنزانة يُفتح وإذا بامرأة تقول أنها محامية من الناصرة وتعمل محامية لدى شركة الحسن التي أعمل بها، واطمأنت على حالتي ووضعي الصحي وأخبرتها بما تعرضت لها من ضربت وتعذيب وإهانة وشتائم وتهديد وضغوط نفسية، فقالت لي أنني سأُعرض على محاكمة يوم الخميس المقبل بتهمة الاعتداء على الجنود أثناء عملك، فنفيت تلك الادعاءات وشرحت ما حدث لها خلال اعتقالي وكيف تم ذلك، فقالت لي سيتم محاكمتك داخل السجن "محاكمة عن بعد"، وستقوم بتقديم إفادتك وأقوالك وسأقوم بالدفاع عنك أمام المحكمة. 

أتى يوم الخميس وتم نقلي لغرفة موجود فيها جهاز حاسوب وسماعات يظهر فيها جلسة محاكمة وكانت محامية الشركة موجودة، وعند بداية الجلسة قرأت المحامية الخاصة التهمة وهي دخول دولة إسرائيل بشكل شرعي، فنفيت تلك الادعاءات وأن هناك ما يثبت عكس ذلك وأنني أمتلك تصريح ساري المفعول وبإمكانهم مراجعته، وعلى الفور قال القاضي أنه تم تأجيل الجلسة للأحد القادم للنظر في ادعاءك. 

انتظرت يوم الأحد ولم يحضر أي شخص ومن ثم الاثنين ولم يأتي أحد أيضا لإخباري ماذا حدث بشأن المحكمة، وفي ليلة الثلاثاء أتى السجان وقام بجمع العمال الغزاوية المعتقلين وتقييدنا جميعا من أيدينا وأقدامنا بسلاسل حديدية ووضعنا في باصات الترحيلات (البوسطة) وفور ركوبي قام أحد الجنود بضربي بواسطة مقبض حديدي في مؤخرة رأسي فأغمى علي وفقدت وعيي، استيقظت عند وصولنا لسجن "عوفر" وعند دخول السجن قام الجنود بإعطائي فرشة وغطاءين وجاكيت وفرشاة أسنان ومنشفة ولفة محارم، وقام بفك يدي ووضع في قدمي اسوارة بلاستيكية عليها رقم يميزني ووضعوني في عنبر(خيمة كبيرة تضم حوالي 250-300 معتقل)، وفي الصباح تم ايقاظنا عند الخامسة فجرا كما قال السجّان، وثم ذهبنا للمرحاض، وبعدها تم احضار وجبة الفطور وهي عبارة عن (ملعقة مربى – قطعتي خبز) وبعد الظهر كان الغداء عبارة عن طبيخ يتغير من يوم لآخر ما بين مفتول أو رز ودجاج وفاصوليا، والعشاء اما حبة فواكه أو خضار. 

وبخصوص علاج المرضى والمصابين منا كان يتواجد عيادة للسجن، ينقلون المصابين على أثر التعذيب إليها بين الحين والآخر. 

 

استشهاد معتقل 

وبعد خمس أيام من مكوثي في عوفر أتى للسجن 15 معتقل جديد قالوا إنهم كانوا يعملون في غلاف غزة وبدا عليهم آثار الضرب الشديد والتعذيب وقالوا انهم لم يعرفوا أين كانوا يتواجدوا وأن أغلب التعذيب كان ميدانيا وفوجئنا بعامل معتقل بدا عليهم آثار تعذيب فتغطي وجهه الدماء واحمرار في جميع أنحاء جسمه وانتفاخ في قدمه وكسور في منطقة الصدر والبطن) وظل طريح الأرض مدة يومين في حالة غيبوبة والغريب أنه لم يكن أحد يعرف اسمه ولم يأتي أحد لعلاجه أو الاطلاع عليه وبعد يومين فقط استشهد فأخذ الجميع يصرخ ويقوم بالتكبير ومحاولة احداث فوضى لجذب انتباه السجانين وحملهم على القيام بشيء فأتى سجان ومجموعة جنود ورموا بنقالة إسعاف إلينا وطلبوا منا وضع الشهيد عليها وإخراجه لممر فاصل بيننا وبينهم ومن ثم أتوا وأخذوه لا نعرف لأين. 

  

وبعد حوالي عشر أيام في سجن عوفر تم نقلي لأولى جلسات التحقيق لدى الشاباك، وكان داخل غرفة يتواجد فيها ضابط واحد، ولم أكن مقيّد اليدين وبدأ بسؤالي عن أسرتي وجيراني ومن منهم ينتمي للمقاومة وعن عملهم وتحركاتهم وانتهت الجلسة بعد أن استمرت مدة 10 دقائق وتم نقلي لعنبر آخر غير الذي كنت متواجد فيه عندما تم احضاري أول مرة إلى عوفر، وقبل الإفراج عني بيومين أي يوم 9/11/2023، تم استدعائي لجلسة تحقيق أخرى وقبل دخولي للجلسة تم وضعي للانتظار على باب الغرفة جالسا على ركبتاي على كوم من الحصى وكانت نفس أسئلة الجلسة الأولى. 

  

وفي فجر يوم 11/11/2023 عند حوالي الساعة رابعة فجراً، جاء سجان وأمرنا في العنبر وكنا حوالي 200 معتقل بالاصطفاف في طابور وسألنا عن أسمائنا ويقوم بإدخالها لجهاز حاسوب محمول يمسكه في يده ومن ثم تقييدنا وتعصيب أعيننا واقتيادنا لباص (ايجل) 50 راكب، فركبنا وتوجه بنا الباص صوب معبر كرم أبو سالم، وعند وصولنا قال لنا الجندي: سأقوم بفك قيودكم وستنطلقون إلى غزة، لا أريد من أحد النظر للخلف، وعند الوصول لبوابة المعبر فوجئت بابني محمد ينتظرني وانقض عليّ لمعانقتي حيث أتى للمعبر لانتظاري بعد سماعه عن أنباء إطلاق سراح دفعة من المعتقلين عبر قنوات الأخبار، وأخبرني أن أمه أي زوجتي وباقي أفراد العائلة قد لجئوا لمدينة رفح وبالتحديد في مركز إيواء خاص بوكالة الغوث (بركسات الحي السعودي) وعند وصولي أجبرت على اللجوء لجامعة القدس المفتوحة في "حي تل السلطان" بسبب صعوبة الظروف في مركز إيواء الأونروا واكتظاظ النازحين فيها


الوسوم

جباليا شهادات حرب سجن عوفر اعتقال

شارك


x