شهادة الطفل محمد الشرافي من مخيم الشاطئ على استشهاد أخيه



الوقت المقدر للقراءة: 19 دقيقة
منذ 9 أشهر

النص:
هذهِ شهادة الطفل محمَّد عيسى الشرافي، يروي فيها تفاصيل استشهاد شقيقه في مخيم الشاطئ قبل نزوحهم، وسجل شهادته في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، وهذا نقل لشهادته كما أوردها:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا محمَّد عيسى الشرافي، عمري 13 عام، بدي أقلكم قصة كيف طلّعت أخويا.

كنا قاعدين في البيت، فسمعنا صوت انفجار قوي جدًا لحزام ناري، فتحنا على الأخبار اشي طبيعي عشان نعرف وين القصف؛ لأنه مبيِّن أنه قوي كثير، وصوته عالي.. بدون هالمبالغات جرينا بسرعة؛ لأنه كنَّا عارفين أنه أخويا هناك، رحنا هناك، شفنا المنطقة، طبعًا مربع كامل ممسوح مخبوط (مستهدف) كله، فشفنا البوَّاب إلي هناك، أخوي كان قلنا أنه هو بالبدروم (الطابق السفلي من العمارة)، فرحنا للبوَّاب تبع العمارة، قلناله وين البدروم عشان نقدر نحفر ونطلعه؟ قال أنا مش قادر مش مركز من الحُفر، في حُفر كثير وفي حجار وفي ردم، مش عارف مش مركز وين البدروم، من كثر ما الإنفجار كان قوي كثير يعني.

فكان أخوي في الطابق الثالث، قعدنا نقوله وين الطابق الثالث. طبعًا كان البرج نازل نزول، مش واقع كله هيك، نازل نزول لورا راجع، فنبعبش (نبحث) وندوِّر وين الطابق الثالث، لقيناه بحمد لله طبعًا. صرنا هناك استخدمنا أدوات بدائية لنخرجه، كان نايم على تخته، الله يرحمه، كان نايم على تخته، واقعة عليه الخزانة، وواقع عليه ثلاث طوابق، كانوا نازلات عليه، قالوا خش (ادخل) جوا اعبر عنده، يعني من نص متر تقريبًا وعمق لجوا، قالولي خش جوا وشوفه، إن كان دافي معناته في روح، إن كان بارد مات وخلص، أخذ أمانته.

فـ خشّيت (دخلت) عنده جوا، يعني كنت خايف أنا متردد، خواتي ساعدوني شوي، قالولي خش أحنا هين بنجشعك، خشيت جوا، حسيته من طرف رجله من تحت، كنت متوتر كثير، حسيته .. طلع بارد، خلص، مستشهد، قلتلهم بارد، أخواتي طبعًا في منهم متحملوش، بكوا، أنا نزلت من عنده طلعت، قعدنا نكسِّر ونخبط ونقصقص الاسفنج على بين ما نطلعه، استخدمنا الحبل لنطلعه.
استخدمنا الحبل وطلّعناه بحمد الله، يعني الله لطف معانا طلعناه. ظايل علينا أولاده الأربعة، وصلنا لمستشفى الشفاء، كان عندي أمل يعني لا يساوي 1% أنه يكون عايش، فحس من رقبته هان، قال استشهد، على التكفين، طبعًا أنا متحملتش، يعني أشوف أخويا مستشهد، أشوف أخويا هيك مرمي، وكان مخنوق لما طلعناه كان مخنوق وكان وجهه أزرق ورافع أصبع الشهادة، متحملتش، ارتميت على الأرض، بكيت، بكيت بحرقة، لأنه أخويا سندي  في الحياة، بوضو الواحد لمَّا يتوجَّع بقول آخ، كلمة الأخ مش قليلة، الأخ سند في الحياة وعبرة وكل اشي، بحمينا، استشهد الله يرحمه.

وصلنا للمقبرة وقبرناه، وكان أخويا الثاني، استشهد بـ2008 أنا مكنتش عارف، مكنتش مولود، برضو شفت جثمانه، سبحان الله مكانش متحلل، حطيناه جنبه، قبرناه، وخلص.
وصلنا للبيت كنا متعوبين (متعبين)، كنا نستعد للساعة 6 عشان نطلع لولاده الأربعة، كانوا التوأم لينة وليان، والبنت الصغيرة روان، وولد الصغير محمَّد، بعدين أجى الوقت، رحنا هناك.

ونشوف الهيكل، وين الغرف، ونحدد، وخبطنا بسم الله، أول اشي طلّعنا الولد، من رجله تحت شفناه، قعدنا نسحب نسحب فيه. كيف ميت؟ الولد كان ماسك العصفور في إيده ووجهه بوجه العصفور وميتين. الولد هذا بربي عصافير من زمان، إله عصفور صرله خمس سنين مربيه، وبلعبهم، وكل ما يطلقهم برجعوله يعني مربيهم، فماسكه وجهه بوجه العصفور، برضو هاد الصدمة الثانية، يعني برضو كل حيوان وكل إنسان، شفنا منظر زي هيك، يعني شفناهم يعني منظر برضو من قلة الأكسجين لقيناهم منخفين
عن أمي،  طبعًا وصلنا هان كانوا رموا علينا ثلاث قنابل.. نسيت اسمها.. فسفور،  رموا قنابل وكانت تعبانة وكانت معها أزمة فانخنقت، غيّبت عن الوعي هناك لمَّا كنا متحاصرين، فوقناها الحمد لله.

وصلنا هان، طبختلنا يعني أكل عشان نوكل على النار، متحملتش دخنة وتعبت شوي، فأجى الإسعاف وأخذها لمستشفى النجَّار، نمت فيها أنا لحالي، أبويا عمره 75 سنة، نمت معاها، صحيت الساعة 6، قلتلها يمَّا قومي صلي الفجر وادعي ربنا الله يشفيك ونروح إن شاء الله بإذن الله، فقالتلي يما أنا مش قادرة وتعبانة فبدي أنام شوي، أجت الساعة 8، بصحي فيها، ساعة ونص بزق فيها (أدفعها لتستيقظ) وبصحي فيها مش راضية تقوم، أنا حسيت أنه في اشي، حسيت أنه في غيبيوبة، بصحي فيها.. بقوّم فيها مش قايمة، فكانت هي عليها جهاز الأكسجين وبدا ينقص، بخروها لما صار أوكسجينها 84، معدل الأكسجين الطبيعي ولسا في حالة غيبوبة.

قالوا بدها تحويل للأوروبي، وصلنا الأوروبي وكانت الصدمة ..  يعني النازحين هناك أكثر من المرضى،  المرضى مرمين وحالتهم على الأرض مش قادرين، شفت دكتور من قلة الأدوية مفلّت المريض هيك وبطلَّع فيه، ومات المريض مش قادر، شافه قاعد بنزف،  والمريض بئن شوي شوي بستشهد خلص سكرات الموت، مش قادر يعمله اشي من قلة الدواء والعلاج. بطلَّع عليه زي هيك وقاعد ايش بدي أسوي! فش معي علاج فش معي اشي، أنا إلي علي والأدوات إلي عندي حطيتلك إياهم وبطلع فيه، الدكتور من حرقته ببكي.

وصلنا هناك قال أنا بستقبلش حالات أنتو مش شايفين يا عمي!
وصلنا، ملقيناش سرير نقعدها عليه، على بين ما فضي سرير بعد ساعة ونص ولسا في حالة غيبيوبة، أجى دكتور الصدرية جراي شاف أمي قال على العناية المكثفة دغري،  حالة غيبوبة، وصلت هناك قالوا بنفعش نخش يا عمي، وقفنا هناك. أنا طبعًا كل هاد التعب، ومش نايم بالمرة، وقلت لأبويا أنا بدي أروح، مقدرتش خلص.

وهان كذلك برضو، لو أجت هان برضو تموت، لو قمت عنها الأكسجين 3 ثواني بالضبط، خلص هتموت.
هالحين بالمدرسة أنا وأمي أخويا عايشين بالضبط كل يوم على علبة فول، على اليوم كامل علبة فول، وبالمعلقة فش خبز. يعني وهان كهرباء فش، وبنزين فش، أكل وشرب معدوم بالمرة.

أنا بنام على الأرض، مبارح الله يديهم العافية، ناس أجوا تبرعولنا بفرشة بخش فيها الواحد وبدّفى،  وتدفينا الحمد لله أنا وأخويا، شكرًا إلهم، لأنه بفضلهم نمنا، هي أول ليلة أجي هان تدفيت أنا وأخويا، مش زي كل مرة بالليل سقانين وبردانين، يعني لمَّا كنَّا ننام بالليل -من سقعتنا- كنا نحضن بعض عشان  نحسس بعض بالحنان وكمان أمي بعيدة عنَّا.

كنا أنا وأخويا مبارح جمعنا من هان ومن هان، نطلب من الناس، جمعنا أربع شكيل وعملنا بكيت أندومي وأكلنا أنا ونوح لنقدر نسد جوعنا برضو، والحمد لله.

وبكرة إن شاء الله الله بعيننا وبنحررها، بس لمَّا كسرونا العرب، إذا بنمسك أي واحد هويته غير فلسطين هيزعل من الفلسطينيين كثير، لأنهم كسرونا بأكثر من خمسين سنة، ما حد ساعدنا ما حد أدّانا (أعطانا) اشي، بدك تيجي تصلي فيها تعال دافع عنها، لأنه بزبطش تفلتوها زي هيك وبالآخر تيجوا، إذا بنحررها ما حد يجي عنا، ما حد يقول بدي أطلب بدي أصلي فيها، لأنه أنتو ما دعمتوها ما حد ساعدها ما حد دافع عنها ولا اشي.

فرسالتي لإسرائيل، حسبي الله ونعم الكيل فيكم، أنا داري انهدمت وأمالي انهدمت وكل اشي انهدم عندي، أنا كنت بدي أخش دكتور، خلص أمالي تحطت، أخواني الثنين استشهدوا، مش ظايل اشي، أجى الدور على الصغار، فحسبنا الله ونعم الوكيل 
كمان أنا أبويا كان صيَّاد لمَّا كنَّا بغزَّة، أبويا كان صياد وكان إله حسكة (قارب) على الماتور ويشتغل فيها، ولقمة العيش تمشي، الحين الميناء فجّروها، يعني خبطوها بصواريخ، حسكة أبوي راحت. بقول في المال ولا في العيال، المصاري الله بعوضها بس البني آدمين، أخوي مين إلي بده يعوضه؟

بتمنى بس اشي واحد، زي بقية أطفال العالم، بدي أكمل قرايتي، أنا من حقي التعليم، ومن حقي أني أتغذى وأشوف حياتي، وأشوف الأولاد هدول بجروا وبلعبوا،  يعني الحين أحنا من حرقتنا بنحاول نلعب، بنسلي حالنا، التفكير إلي عنا، يعني التفجير والقتل والشهداء إلي بنشوفهم، يعني بنحاول نسلي حالنا، بنتعرف على ناس، بنحاول نضحك مع الناس، فأنا بدي أعيش زي بقية العالم، والأطفال هدول حقهم برضو، حقهم التعليم وحقهم والإيجابيات، حقنا بكل اشي

أبو محمَّد: أنا أبو عزيز الشرافي من معسكر الشاطئ.
بقوم الصبحيات بصلي وبتوضا وبقوّم أولادي عشان يصلوا، بعدها بعمللهم فطور، بعد الفطور بقوم بشوف ايش الواجب تبعهم، ايش إلي بدهم إياه ياكلوه الصبحيات قبل ما أروح على السوق باجي، في عندهم غسيل بغسله، بعد الغسيل بعمل أكل لزوجتي ببعثوا مع الولد هذا يا مع الولد هذا (مشيرًا إلى طفليه محمَّد ونوح) على مستشفى الأوروبي، بعدها بنيجي نوكل نتعشى، بحط أولادي لمَّا يجوا يناموا

بتمنى العودة لبلادي، نرجع لبيتنا، راح البيت وراح  المركب تبعي إلي بشتغل فيها بالبحر، انحرقت،  ضربوها في الميناء، مخلوش اشي فيها، وهيني بتمنى أرجع على بيتي وأرجع على شغلي لأربي هالأولاد الصغار هدول، بدي أتمنى غير الحياة الكريمة!
معلوم خايف، هدول صغار.. (ويبكي)      


اقرأ المزيد

اقرأ المزيد من قسم شهادات

الوسوم

شارك


المصادر


x