شهادة سارة النجار حول محاصرة الدبابات لهم في خان يونس



الوقت المقدر للقراءة: 23 دقيقة
منذ 8 أشهر

هذه شهادة سارة النجار الصحفية والناشطة الاجتماعية البالغة من العمر 27 عاماً حول نجاتها من القصف ورحلة نزوحها، نقلتها في تسجيل صوتي تم تسجيله في 19 ديسمبر 2023 ونشرته منصة فلسطينيات على الانستجرام في تاريخ 28 ديسمبر 2023، وهذا نقل لشهادتها كما وردت:

مرحبا أنا سارة النجار من غزة، بالعادة الناس لمّا كانت تسمع صوتي كانت تقدر تحدد ملامح ضحكتي وترسم ابتسامتي بدون ما تشوفني، كوني معروفة بالإيجابية، بس لأني عشت عدوان وحرب صعب جدا صار الضحكة محرّمة دوليًا علينا في غزة. ومن 7 أكتوبر الشي الوحيد الموجود بحياتنا هو الوجع القلبي الدائم سواءً النفسي أو الجسدي. من أول يوم حرب بلشنا نستقبل نازحين ببيتنا، ومن تاني يوم خال بابا وعيلته طلعناهم من تحت الركام شهداء، ويوم ورا يوم كنا نسمع أخبار بتوجع القلب، إما باستشهاد قريب أو صديق، أو تدمير منزل أو جامعة، أو مكان مميز إلنا فيه ذكريات.

يوم ورا يوم الرعب والخوف كانوا بيزيدوا علينا، النازحين عنا كانوا أكتر من 50 شخص ليوم 12/11/2023، الساعة 9 صباحًا بدون أي سابق إنذار لقينا مربعنا السكني يُقذف ويُقصف ببراميل متفجرة من قبل الجيش الإسرائيلي. كانت أكبر كارثة ممكن نشهدها، كنا معتقدين انه حينا آمن في بني سيهلا، خان يونس، جنوب قطاع غزة. ولكن بغمضة عين 15 شهيد ما بينهم أطفال، ونساء، ذوي إعاقة، راحوا في غمضة عين، بالإضافة إلى تدمير 8 عمارات سكنية بشكل كامل، عدا عن الأضرار الجزئية اللي صابت كل المنازل، وعشرات المصابين، اللي لليوم في بعض منهم مش قادر يحصل على علاجه بشكل كامل. يمكن في هداك اليوم النازحين خافوا وهربوا، ضلينا لوحدنا في البيت أو فينا نقول بنصف بيت مع أضرار جسيمة، قعدنا نرتب ونضبضب ونحاول نلملم أي اشي نقعد فيه خلال هاي الفترة، اجت الهدنة وكنا متأملين إنه تستمر ليوقف إطلاق النار بشكل كامل، ولكن من 1/12 بعد خرق الهدنة، تحولت الحياة لجحيم أكبر.

القصف صار يقرب، والرعب يزيد، كل ثانية في شظية بتوصل حدا فينا وبنقول الله ستر إنه ما صرنا شهداء، طبعًا ضلينا هيك ليوم 4/12 مساءً، شن الاحتلال حزام ناري شرس جدًا على شرق خان يونس وعلى المنطقة إلي نحنا فيها، حاولنا نتواصل مع الصليب الأحمر وقلنالهم نحنا معنا أطفال، معنا مسنين، ومعنا أشخاص ذوي إعاقة مشان يجلونا من المكان، لكنه قلنا أنا مش مكتب تكسيات وفعلًا ما إجى حدا عنا. وطبعًا أي حركة بالليل بتعرضنا للخطر، لأنه الجيش كان بضرب أي جسم متحرك، أي ضو، وأي صوت، فقلنا الصبح رح نتحرك، ولكن قبل ما يطلع الصبح علينا تفاجأنا إنه نحنا محاصرين بالدبابات، وهاي كانت صدمة لإلنا، كونه جيش الاحتلال وقت ما قذف مناشير بالإخلاء كانوا كاتبين إنه مربعنا السكني والبلوك تبعنا ورقمه، من المناطق الآمنة اللي مش مطلوب منها تخلي، وبنفس الوقت بعتولنا رسائل على الجوال تحذيرية ممنوع نتحرك من مكانّا. تفاجأنا بالدبابات وحاولنا نتواصل مع الصليب ومع الإسعاف ومع الهلال، مناشداتنا وصلت كل مكان ولكن ع الفاضي. تحاصرنا أسبوع كامل، في ظل مافي كهربا، مافي مي، مافي ولا مقومات للحياة، والقصف بيزيد، استنشقنا كميات شاسعة وهائلة من البارود في هادا الاسبوع، لوقت 9/12 قذيفة دخلت الغرفة اللي نحنا قاعدين فيها وتصاوب فيها بابا وماما وتلاته من إخواني، وطبعًا لإنه ما بنقدر نشغل ضو، وكانت الضربة الساعة تسعة إلا تلت، اضطر حدا منّا يتخبى تحت حرام هو والشخص المصاب ونحاول نعمللهم إسعافات أولية مع ضو يا دوب يُذكر، بدون أي صوت، طلع الصباح علينا وتجمعنا الـ 16 شخص في غرفة وحدة بحثًا عن الأمان. ومع مناشداتنا للإسعاف والصليب ولكن ع الفاضي.

ساعات صغيرة وبلش صوت الاحتلال يقرب منا، وصرنا نسمع أصوات الجنود وهمّا بغنّوا وبيتكلموا في اللغة العبرية، وبدون ما نفهم اي اشي، للحظة بدأ الرصاص يدخل علينا وتفجيرات جوا البيت، صرنا نصرخ باللغة الإنجليزية: We are civilians, we are children, we are women (نحن مدنيين نحن أطفال نحن نساء)، لوقت ما سمعونا، وقالولنا افتحولنا الباب، طلعنالهم رافعين ايدينا وبلش بابا يحكي معهم باللغة الإنجليزية إنه احنا مدنيين، عددنا 16 ومعنا مسنة 80 سنة، ومعنا 2 من ذوي الإعاقة، ومعنا 5 أطفال. ولكن ببساطة قالوا الشباب يروحوا بجهة، والنساء والأطفال بجهة، وبلشوا يسألونا في ظل أجواء من الرعب الهائلة جدًا، ممنوع نتكلم ممنوع نتحرك وما بنعرف أي اشي عن بابا و2 من اخواني و 2 من ولاد عمتي وواحد ابن عمي. طبعًا بعد ساعات اعتقلوا الشباب الـ 6 ومن بيناتهم بابا اللي كان دانه اليمين ما بيسمع فيها بسبب القصف اللي صار في الليل، وراسه اللي كان ينزف، محمد أخوي اللي already من أشخاص ذوي الإعاقة البصرية وكان عنده جرح وإصابة بايده والشظية مازالت بايده، طفل هو وابن عمتي عمره 15 سنة، اعتقلوهم اخدوا هوياتهم، بعد هيك سحبوا جوالاتنا واخذوا ممتلكاتنا وانجبرنا نترك البيت في منتصف الليل.

ما قدرنا غير كل واحد ياخد شنطة صغيرة يا دوب ما بنعرف شو فيها، منعنا نفوت الحمام ومنعنا نعمل اي اشي، طلبنا منهم مساعدة إنه يجيبولنا إسعاف، تاخد تيتا المسنة لأنها ما رح تقدر تمشي لكنهم رفضوا. أول خطوة طلعناها من باب البيت اكتشفنا حجم الدمار الكبير، مع العلم أثناء وجودنا في البيت وهم حوالينا وعددهم اكتر منا، عدد كتير كبير ما بتذكرش قديش بس كان معهم كلاب كتير كبيرة ومخيفة، فجروا تفجيرين في البيت واحنا موجودين، ما بنعرف بأي مكان لسا هدول التفجيرات لأنه طلعنا بوقت متأخر، أول خطوة مشيناها حجار، قزاز ، حفر مخيفة جدًا، لدرجة إنه وقعنا بأحد الحفر وقعدنا ساعة كاملة نحاول نطلع من هاي الحفرة، الشارع اللي كنا نمشيه على بطء بخمس دقايق أخد معنا ساعة من كمية الدمار. الزنانة فوقينا، طائرات الاستطلاع، والدبابات مأشرة علينا، ما قدرنا نكمل طريقنا للمكان اللي طلبوا منا نوصله، كنّا 10 أشخاص، 4 أطفال والباقي نساء، ومعنا واحد ذوي إعاقة ومسنة، لقينا في نص الطريق قطتين رافقونا لحاصل مهجور، دخلنا هاد الحاصل لنتخبى فيه، لأنه كان القصف بزيد علينا بشكل مبالغ فيه وغير منطقي، وبنفس الوقت ما قدرنا نمشي، ما قدرنا نكمل طريقنا، خاصة إنه احنا حافيين القدمين، وما بغطي رجلنا غير جرابات تخزقت من القزاز والحجار، تخبينا للصبح وطبعًا بهداك الوقت انتبهنا في شنطة عمتي إنه هي ضايل معها جوالها مع اتصال بيوصلنا إنه الحمدلله افرجوا عن بابا والشباب. همّا موجودين في المستشفى الأوروبي يعني بمدينة رفح اللي بتبعد عشرات الكيلو أمتار عن المكان اللي احنا فيه حاليًا. طلع النهار، اخدنا اغراضنا، ورفعنا راياتنا البيضا، وبلشنا نمشي فوق الدمار الكبير جدًا، قزاز حجار رجلينا بتنزف، مي أسلاك كهربا، كلشي حوالينا القصف بزيد طيارات الاستطلاع بترافقنا خطوة بخطوة.

تبتا المسنة كانت بتمشي بصعوبة جدًا، ونحنا مش قادرين لا نحملها ولا نقدر انه حتى نصبرها على المشوار اللي احنا فيه، ماشيين وبندعي وبنستغفر ربنا وبنتشتهد على روحنا طول الطريق، قطعنا الكيلوات هاي الكبيرة مشيًا على الأقدام، في نص الطريق شافونا شباب كانوا بحاولوا يساعدونا، لكن أول ما طايرات الاستطلاع لمحت هدول الشباب بقربوا علينا، رمت صاروخ ورانا تمامًا، وهون كان الرعب الأكبر لإلنا إنه بطلنا قادرين نحدد مصيرنا، وبنفس الوقت الأطفال صارت تبكي، وتيتا وقعت ومش قادرة تمشي، وهم كانوا منبهين علينا لو وقفتوا خطوة وحدة رح نقتلكم، بعد ساعات كتيرة قدرنا نوصل للمستشفى الأوروبي وارتمينا ع الأرض، التقينا طبعًا وقتها ببابا وإخواني وولاد عمي اللي كانوا أسرى، كان وجوههم لسا تعبانة آثار الكلبشات موجودة على ايديهم، اخدنا المصابين نحاول نعمللهم فحوصات طبية، نحاول نعمللهم أي إجراءات، لكن بكل بساطة مافي معدات طبية، مافي أدوية. ولليوم هاد بحكي، وصلنا الأوروبي في 11 ديسمبر، الاحتلال اقتحمنا في 10 ديسمبر، وأنا بسجل هاد الفويس في 19 ديسمبر، الشظايا موجودة في ايد اخوي الصغير اللي عمره 9 سنوات وأخوي التاني اللي عمره 22 سنة. الوجع كبير، الاشي الوحيد اللي قدرنا نعطيهم إياه هو مضاد حيوي، غير بابا اللي لهلأ ما بيسمع بدانه (بأذنيه)، والجروح الموجودة في جسمه وفي ظهر ماما وفي وش وبطن أختي الصغيرة.

بعيدًا عن الرعب اللي عشناه، طبعًا وصلنا الأوروبي ومن هناك كملنا رحلتنا لمنطقة نائية اسمها خربة العدس في رفح، وهون قدرنا ناخد وسيلة مواصلات بدائية جدًا واللي هي الكارو (عربة يجرها الحمار)، ركبناها ورحنا على هداك المكان اللي احنا حاليًا موجودين فيه اكتر من 60 شخص موجودين بشبه خيمة، بنعاني فيها من أبسط مقومات الحياة مش موجودة، أنا بسجل هاد الفويس بعد ما قدرت أتمكن من جوال يشحن 30% ورح ياخدوه على مكان بعيد جدا ليقدر يشبك إنترنت وتوصللكم هاي الرسائل. فينا نقول بكل بساطة إنه لقد نجونا من الموت بمعجزة الله، بمعجزة القدير، بمعجزة من الرحمن الرحيم، احنا اللي هان حاليًا بخير، دعوتنا الوحيدة إنه تخلص هاي الحرب، ونرجع لبقايا بيتنا، إذا كان موجود، مع العلم إنه القصف مستمر، مافي ولا مكان آمن في قطاع غزة خلال وأنا بسجل معكم كان في اكتر من صوت استهداف لكن الجوال اللي بستخدمه ممكنة يكون عازل شوي للصوت فممكن ما تسمعوا.

مطلبنا الوحيد انه تنتهي هاي الحرب، وفي معنا طبعًا ناس جوازاتهم اجنبية بيحاولوا يسافروا لكن طبعا ع الفاضي، كلنا مصيرنا واحد سواء أطفال نساء شباب كبار السن أشخاص ذوي إعاقة ومرضى. الحال صعب جدًا، صعب انه تسمع أخوك الصغير وهو بقول لك جوعان وتسكته مشان ما حدا يسمع، صعب إنك تكون بردان لكن تتظاهر إنك تمام. وقت وصلنا الخيمة إللى إحنا حاليا موجودين فيها، بنفتح الشنط اللي كانت معنا اكتشفنا انه الرصاص مخزق كل شي، ملابس، الأوراق الرسمية، لابتوب، كل شي، كل شي. صار هلأ اكبر كنز ممكن نحصل عليه ورقة كلينكس ورقة فاين، بالنسبة إلنا كنز، الوضع الاقتصادي قبل الحرب كان كارثي، ومع الحرب ما في شغل والأسعار باهظة جدًا والناس مش قادرة توفر أبسط مقومات الحياة، ما بنعرف كيف قادرين نعيش 74 يوم لحد الآن من الحرب بظل هاي الظروف الصعبة ولكن ربنا عز وجل هو القادر على اعطائنا هاي القوة، بالنهاية الاشي الوحيد اللي منيح بغزة هو التكافل الاجتماعي، احنا موجودين عند ناس ما بيقربولنا بالدرجة الأولى، فتحولنا مجال نقعد معهم نزاحمهم بالخيمة تبعتهم، ببقايا المي، بطعامهم، بكل شي.

غزة منيحة بأهلها غزة حلوة غزة كانت جنة على الأرض وما بدنا غير توقف هاي الحرب.

أنا سارة النجار ناجية لحتى الآن من الحرب الشرسة على غزة، وما بعرف بعد 5 دقائق شو ممكن يكون مصيري خاصة انه عيد ميلادي كان قبل أيام صغيرة، ولكن أعلنت بهداك اليوم هو موت ميلادي وميلاد موتي. 

اقرأ المزيد

اقرأ المزيد من قسم شهادات

الوسوم

شارك


المصادر


x