شهادة حول هدم منزل رضوان أبو معمر واستشهاد أهله



الوقت المقدر للقراءة: 22 دقيقة
منذ 8 أشهر

هذه شهادة الشاب رضوان أبو معمر بعد قصف منزل خاله واستشهاد عائلته بالكامل، والذين نزحوا في خانيونس بعد طلب من قوات الاحتلال. 

أنا رضوان أبو معمر، الي الاحتلال الإسرائيلي قتل إمه وابوه وإخوانه الاتنين وأخته الصغيرة وبنت أخته و 22 شخص من عيلتي، قتلهم جميعًا الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد. 

أول اشي خليني أعرفكم عن حالي، أنا بدرس إدارة أعمال فرع الريادة والابتكار في الجامعة الإسلامية الي برضو دمرها الاحتلال الإسرائيلي. احنا انقصفنا في هاد المكان في بيت خالي… هو مش بيتنا الأساسي، احنا نزحنا عليه من بيتنا الي هو في خانيونس في منطقة التحلية… نزحنا لما اجانا خبر إخلاء… نزحنا احنا وخالاتي، كنا بالزبط بالبيت 7 عائلات، 51 شخص، استشهد منهم 28 شخص…

هاي المنطقة الاحتلال ادّعى إنها آمنة ولكنه استهدفنا فيها بتاريخ 20 ديسمبر، الساعة 7 المسا بالزبط بعد صلاة العشا… هاي المنطقة ادّعى إنها آمنة لدرجة انه احنا من تصديقنا، أو مش من تصديقنا لأنه ما بنصدق الاحتلال، احنا بنحب الحياة… كنا نلعب بالساحة المقابلة لهاي البيت طائرة… كنا نجمع بعض خوالي رحمة الله عليهم وخواني ونلعب طائرة ونستمتع بهاد الاشي. 

هاد البيت احنا كنا 51 شخص، ما يقارب السبع عائلات، تم قصفنا، واستشهد منهم 28 شخص، والباقيين تصاوبوا وضلوا أحياء… أنا عن نفسي خسرت إمي، أبويا، إخواني الاتنين محمد ومنصور، أختي الصغيرة أسيل وبنت أختي تالا… والباقيين طبعًا بقربولي، وهم خالتي وابنها، وبنات خالتي الثلاثة، وابن خالتي المقرب جدًا من قلبي وصديق طفولتي، وخوالي الاتنين، وابن عم إمي، وزوجة عم إمي، وكلهم أقارب بالنهاية، والحمدلله انه ربنا اصطفاهم، والحمدلله على هذا القضاء والقدر…

ولكن في غصة، في وجع في هذا المكان… والموجع أكثر انه أنا كنت في هذا المكان بالزبط، عم بصرخ على أهلي والناس عم تتفرج علي وما عملت أي اشي… يعني أنا في ساعة الضربة الحمدلله ما تصاوبت، أنا بالزبط كنت في هذا المكان، بالغرفة هاي الي فوق (يؤشر بيده لغرفة بالطابق الثاني) كنت قاعد فيها لسا نايم على جوالي… صارت الضربة ما حسيت لا بصوت ولا حسيت بانفجار… بس الأرض عم تتهتزهز والركام عم ينزل عليك… أنا ساعتها قمت وطلعت على الدرج المقابل هناك، كان جنبي زوج خالتي برضو ما تصاوب ضل زي ما هو وما فقد الوعي، وأنا الحمدلله ما فقدت الوعي وذاكر كل شي بالتفصيل…

احنا بعد ما مشينا شوية، ملنا مع الميلة، هاد كان السقف ومال فينا السقف (ويؤشر على ركام المنزل المهدم)... احنا بالزبط علّقنا في هاي الزاوية… قبل ما ييجي الدفاع المدني ويشيل الركام، كان في خزانة واحنا علقنا فيها… وأنا زوج خالتي كنا ماسكين إيدين بعض وعم نتشهد… وجنبنا كمان خالي وأولاده ضلوا أحياء الاتنين كانوا ماسكين إيدين بعض وبنتشهد… أنا لقيت قدامي هاد البربيش… شايفين هاد البربيش الي تحت البلاط؟ أنا مسكت فيه، هو الي أنقذني، بينما احنا عم بناشد العالم من أكثر من 110 أيام انه يوقف الحرب على غزة، هاد البربيش الي أنقذني… مسكت البربيش وما قدرت اطلع عليه دغري (بعدها مباشرة) مسكني زوج خالتي من ورا ووصلت الدرج وطلعت.

في الطابق الثاني أسعفت قرايبي المصابين وأنا في حالة صدمة، في حالة شو الي صار لسا لحد الآن… نزلت تحت وأنا عارف انه أهلي وكل المصابين استشهدوا بهاد المكان (يؤشر على الطابق السفلي)... هاد المكان كان جمعتنا كل مسا، الي هو بالكامل تدمر، هاد المكان بالزبط كان جمعتنا كل يوم وكل دقيقة… عم نتغدى فيه، عم نتعشى فيه، عم نفطر فيه، عم نضحك فيه… حتى قبل الضربة بما يقارب النصف ساعة أنا كنت عندهم، بضحك معهم، بحكي معهم، ماكل أنا وياهم متعشي وطالع فوق، أنا لما أسعفت المصابين ونزلت، وصلت هاي الغرقة، ما لقيت حدا، أو ما شفت حدا… كنت عم بصرخ… إمي، تالا، رنا… وتالا ورنا كنت أكتر اتنين بصرخ عليهم، لانه أختي - أختي رنا الحمدلله كانت إصابتها خفيفة والحمدلله هي بخير - كانت جايانا زيارة من السعودية وتناقش فيها الدكتوراة، كانت بتدرسها بالجامعة الإسلامية عن بعد، وبشهر 7 وصلتنا…

حتى لليوم بتحكيلي أنا ما شبعت من أهلي… كان غايبة عنا 4 سنين، وجايتنا زيارة هي وتالا وابنها… تالا كانت بدها تروح عند أبوها وحاولنا بقدر المستطاع انه نطلع تالا عند أبوها المقيم في السعودية لحد الآن، نطلع تالا وأختي رنا وبرهوم عند أبوهم ما قدرنا بسبب إغلاق معبر رفح… أو بالأحرى كان صاروخ الاحتلال على دار خالي أسرع من فتح معبر رفح، أو تنسيق كان بمبالغ طائلة آلاف الدولارات انه نطلع تالا… تالا استشهدت ورح تروح عيلة أختي لزوجها وهي ناقصة واحد وهي أغلى حدا عنا… 

وكنت بنفس الوقت بصرخ على إمي وخواني لأني عارف انه هم كانوا هنا ومش شايفهم… وفعليًا أنا عن نفسي حسيت انه هان (هنا) الوجع… انه إنت تكون عم تصرخ وتتوجع وتنادي على أهلك والناس عم تتطلع فيك وما حدا قادر يعمل اشي… هان الوجع بس… هاد الوجع الي حسيته… يعني أنا عن نفسي ما بحس الركام الي نزل علي كان وجع… حسيت الوجع انه أنا عم بصرخ على أهلي والناس بس بحالة بتتطلع فيك وبس…

 اجيت دورت على أهلي هون وما لقيت حدا بس بنفس الوقت لقيت جثة نزلت من هاد الركام النازل وشايلين جثة… تعرفت عليها إنها بنت عمي وقلتلهم هاي بنت عمي ميسون وقلتلهم خدوني على المستشفى… وصلت المستشفى، لسا بدخل وهم مطلعين 3 جثث من جوا… شفت الجثث كان جثة أول واحد أخوي الكبير محمد، بعدين جثة أبويا، بعدين جثة منصور… الحمدلله رب العالمين… انهرت طبيعي كأي حدا بشوف أهله جثث… ولكن الحمدلله إنهم شهداء… تعرفت عليهم وخبرت عنهم, وقعدت أدور على إمي وتالا… ما حد كان عم بجاوبني وبرضو هاد ألم… انه إنت عم تسأل عن أهلك والناس ممكن تكون عارفة وعم تخبي عليك، برضو هاد وجع… فجأة ربنا أعطاني القوة والصبر لدرجة إني بالمستشفى سجدت سجدة شكر وصرخت للناس: أبويا وإخواني شهداء… 

وبعدها ما كنت شايف إمي وتالا، اجيت من المشفى قريب علينا أدور بين الركام على إمي وتالا… لما حصينا الأسماء عرفت انه إمي وتالا استشهدوا رحمة الله عليهم… إمي رحمة الله عليها… وكان في هان فرن في الزاوية، فرن الطينة تبع خالي… قبل القضف بساعات، أو بساعتين الأحرى، كنت أنا طول اليوم طالع برفح جايبلهم أغراض وكنت جايبلها ملوخية ورحت عند الفرن وحكيتلها يعطيك العافية يما، شو رح تطبخيلنا بكرا؟ قالتلي مش عارفة، قلتلها: هيني جبتلك ملوخية، حكتلي الله يجيبلك الخير يما! وكانت آخر دعوة منها…

وأنا بحكي الحمدلله انه خيري كان في استشهادهم ودخولهم الجنة… الحمدلله رب العالمين… فحكيتلها يما هي ملوخية وجبتلك راسين ملفوف أحمر وخيار عشان تعمليلنا سلطة مفرومة ورز… طبعًا احنا كنا فرحانين كثير على الملوخية لأنه احنا من زمان ما أكلنا أكل منيح من بداية الحرب، يعني احنا انقصفنا تقريبُا بعد اليوم 75 أو 80 على الحرب… كان جنبي خالي رحمة الله عليه أبو شهاب اجى، وكان يشغلنا كل يوم احنا الشباب… واحد يعبي مي، واحد يجيب حطب، فحكيتله يا خالي أنا جبتلك رشوة كبيرة… جبتلك طبخة ملوخية ورح نطبخها بكرا… فانبسط كتير، وقلي خلص أنا مش رح أطلب منك اشي لأسبوع وكان عم بضحك… قبل القصف بكم ساعة… فللأسف الاحتلال الإسرائيلي قتل إمي قبل ما تعملي الملوخية وقتل خالي قبل ما ياكل معي الملوخية… والحمدلله إنهم رح ياكلوها بالجنة والله يجمعني فيهم بالجنة… 

برضو في هاد البيت، في طفلين ما لقيناهم… في طفل ما لقينا جثته… حتى أنا أختي الصغرى أسيل كانت توجيهي السنة وأنا ما لقيت منها غير شقفة هالقد (يوضح بيده أنها قطعة صغيرة)... وتعرفت عليها من شقفة جبينها لأنه زمان كانت عاملة حادث وفي إصابة هنا (نص جبينها)... والدكتور الي كان عم بتابع عليها قريبي فشاف وحكالي هاي أسيل أنا عرفتها من جبينها… فقلتله يا دكتور خلص توكل على الله… يعني أختي أنا لليوم ما شفتها جثة كاملة شفت بس شقفة منها… رغم انه أختي الحمدلله حافظة لكتاب الله، وكانت عم تحلم انه تسرد القرآن في صفوة الحفاظ هاي السنة… ولكن الحمدلله اليوم رح تسرده في الجنة مع إمي وأبوي وإخواني وخوالي وابن خالتي… وكلهم… رحمة الله عليهم جميعًا… 

الحمدلله… الحمدلله… رغم الوجع، والألم، والفقد الكبير، والحزن الأبدي الي رح يضل طول العمر، ولكن الحمدلله ربنا اصطفى أهلي، واشترى أهلي… زي ما نعيتهم، في أول ما نعيتهم حكيت: الحمدلله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة… ونعم البيع… ربنا اشتراهم في أعز معركة وأطهر معركة على وجه الأرض… في معركة عز وشرف وكرامة… معركة طوفان الأقصى… الحمدلله انه ربنا اشتراهم، وأحسبهم عند الله من الشهداء… وربنا يجمعني فيهم في أعلى منازل الجنة… وفداء لهذي الأرض، أطهر أرض، الأرض المقدسة… وفداء لكل الشباب الي حطوا الدنيا وراهم وراحوا داسوا على روس العدو، فداء لالهم… وفداء لكل الأسرى الي احنا رح نشوفهم محررين… فعليًا احنا الي بهون علينا انه احنا بنهاية هاي الحرب، أو الإبادة الجماعية، رح نشوف كل الأسرى في السجون محررين بإذن الله… وربنا يحماهم جميعًا، وربنا يتقبل أهلي… يحتسب هذا من جهادنا في سبيل الله، ويكتبلنا الأجر… والحمدلله دائمًا وأبدًا على هذا القضاء والقدر، وهو نعم القضاء والقدر… احنا مسلمين ومؤمنين بقضاء الله وقدره، خيره وشره، والحمدلله عليه نعم القضاء والقدر حيث الجهاد في سبيل الله، حيث الشهادة لأهلي في أطهر وأصدق معركة، معركة طوفان الأقصى…

المصور: طيب يا +رضوان وين شايف غزة رايحة؟ 

رضوان: أنا زي ما حكيت من شوي، احنا في نهاية المعركة رح نشوف كل الأسرى محررين، وهذا الاشي عنجد مهّون علينا رغم كل الألم الي بقلوبنا… والله محيّي المقاومة والله يسدد رميهم… وبالنهاية رح تنتصر المقاومة نصر عزيز مؤزر، وهذا وعد الله الحق… وبالنهاية رغم هذا الدمار الي بغزة، رح نرجع نبني غزة من جديد، ونخلي غزة أحلى… وهاي مش نهاية الطريق، لسا في طريق كبير لحتى نحرر فلسطين كلها… ا

لطريق لسا مواصل لتحرير فلسطين من النهر للبحر… غزة شايفها رح تطلع بنصر كبير، رغم كل الوجع وكل الدمار رح نرجع نبني غزة من جديد، ورغم كل الألم وكل الجراح بنحكي الله محيي المقاومة، والله مع المقاومة، والله يسدد رميهم، والله يحمي كل الشباب الي غايبين من من أكثر من مئة يوم عن أهلهم، وممكن منهم استشهدوا وأهلهم ما بعرفوا أو العكس… والحمدلله دائمًا وأبدًا، ونسأل الله الفرج القريب، والنصر المؤزر القريب العاجل. 


الوسوم

شارك


المصادر


x