شهادة السيدة سناء أبو غبن عن استشهاد عائلتها قبل اللقاء بهم



الوقت المقدر للقراءة: 16 دقيقة
منذ 8 أشهر

هذهِ شهادة خاصة، حدثتنا فيها السيدة سناء أبو غبن عن استشهاد ابنتها وأحفادها بعد نزوحهم إلى النصيرات واستشهاد أختها مع عائلتها، وتروي تفاصيل إصابة قدمها بجروح واضطرارها النزوح مشيًا على الأقدام إلى الجنوب.

المراسلة: عرفينا بحضرتك.
السيدة سناء: أنا اسمي سناء أبو غبن، عمري 58 سنة.
بقينا قاعدين لا إلنا ولا علينا.. قاعدين بدارنا كويسين أنا وأولادي، أجت الحرب.. أجت بنتي نزحت عندي مع أولادها.. بنتين وولد معها، وقعدنا أحنا وإياها يعني شهر بطوله وأحنا وإياها في الحرب على الحلوة والمرة.. القصف فوق روسنا من وين ما كان، النار تخش (تدخل) من شبابيكنا مع الأحزمة النارية، والله ما كنَّا ننام ليلة زي الناس، كل ليلة نقعد نستغفر ونقرأ قرآن ونتشاهد على روحنا، نلم بعضنا على بعض عشان لو متنا نموت كلنا مع بعض، بدناش نموت كل واحد لحال.

بعدين كنَّا ليلة نروح نبات في مستودع الوكالة.. في الليل نخلي.. ليلة نبات عند قرايبنا، تشحوطنا (تشردنا) من هان لهان، صارت الأحزمة النارية علينا من كل فج وميل فرحنا نخلي في UNDP تبع الوكالة وهناك اليهود برضو مسبوناش (لم يتركونا).
بنتي بدها تروح عند عيلتها (عائلة زوجها) في النصيرات، قبل ما أروح على UNDP أختي تبعثلي تقلي: يختي ابعثي البنت علينا خلينا نشوف أولادها، مشتاقين لأولادها، أقلها والله يختي بخاف عليها أبعثها لحالها بهالطرق، أنتِ بتعرفي كيف الوضع والطرق. المهم ظلت لما صار إلنا شهر، شهر أنا وإياها على الحلوة والمرة.

بنتها تقولي والله أنا يا تيتا اشتقت لتيتا (أم أبوها يعني) اشتقت لتيتا يا تيتا، بدنا نروح نشوف دار سيدو، أقلها طيب يا تيتا إن شاء الله هيك تهدى الأمور وبجيبلكم سيارة وببعثكم عليهم.. وأحنا في UNDP فجأة ما شفت إلا وهي (تقصد ابنتها) بتقولي يما بدي أروح خلص -صاروا الناس يخلوا يروحوا على الجنوب- بدي أروح على دار خالتي، قلت توكلي على الله وإلّي كاتبه ربنا بصير.
صارت بنتها تقولي والله يا تيتا ما تخافي -بنتها الصغيرة عمرها 4 سنين- تقولي: "إلي كاتبه ربنا بدنا نشوفه، بدنا نستشهد بنستشهد بدنا نعيش بنعيش، إلي الله كاتبلنا إياه بدنا نشوفه".. قلنا توكلنا على الله وراحت، طلعت، وصّيت وحدة معها من معارفنا: "أمانة توصليها الله يخليك، توصليها بطريقك لدار خالتها" قالتلي في عيني.

المهم طلعوا، وأنا ثاني يوم كنت بدي أخلي، أنا الثانية بدي أطلع على الجنوب.. أنا مع ابني وبناتي بدنا نخلي على الجنوب.. ساعة ما بدنا نطلع، قلبي انقبض وعلى صدري بلاطة مقدرتش أتنفس، ساعتها كاين الحدث صاير فيها (تبكي السيدة سناء) ساعة ما قلبي انقبض كانت هي مستشهدة وأنا بعلمش، ومشينا كل الطريق الآمن (الممر الأمني الذي فرضه الاحتلال للعبور من شمال غزة ومدينة غزة نحو الجنوب)  وأنا رجلي متصاوبة كمان كانت، انقصف بيت جيراننا ووقع علي باب الشقة تاعتنا 80 كيلو وزنه وقع على رجلي، رجلي صارت هالقد (تشير بيدها إلى حجم انتفاخ قدمها) وكل الطريق مشيتها مشي.. "الطريق الآمن".

وأحنا ماشيين ابني بقولي يمَّا بدنا نجيب سيارة  من عند المستشفى.. بعلمش أنه ابني داري أنه بنتي استشهدت ودار خالته وبنات خالته وكنة خالته وأولادهم كلهم، أقله يمَّا ليش أنت بدك تروح على المستشفى هي السيارات كثار، يقولي طيب بس بدنا نشوف من هان سيارة، بدوش يقولي.. مش راضي يقولي.. رحنا أول على العودة (مستشفى العودة) في النصيرات، طلعنا من العودة على شهداء الأقصى (مستشفى شهداء الأقصى)، هو بدوّر على اخته في المستشفى وأنا بعلمش.. وصلنا المستشفى لقيناهم متللين.. في السيارة متللين (متراكمين) فوق بعض. ابني بقولي يمَّا قولي الحمد لله، وفاء استشهدت هي وخالتي ودعاء وكنينها وكلهم كلهم كلهم..

المراسلة: كم نفر راح؟
السيدة سناء:  22 نفر.. 22 نفر هدّوا البيت عليهم.. إلهي وأنت جاهي تهدّهم بس، الله يهدهم، الله يكويهم زي ما كوّونا.. طيب وروني إياهم بس خلوني أشوفهم، قالولي لا خلي صورتهم الحلوة في عينيك، ما ورونيش (لم يروني) إياهم، كانت لسا وفاء مش جايبينها من العودة .. ضليتني أستنى، خايفة تكون لسا تحت الردم مش طايلينها، استنى.. مرضيتش أطلع من باب المستشفى إلا لما شفتها بعيني، مرونيش وجهها؛ لأنها مشوهة.. الله لا يوريك، قالولي خلي صورتها الحلوة في بالك، ودعتها.. الله يرضى عليك يمَّا ويحنن عليك (وتبكي السيدة سناء).. بنتها قبل .. وأحنا في الدار، تقولي والله يا تيتا أنا نفسي بالمفتول، أقلها والله يا تيتا بس تخلص الحرب غير أعملك مفتول زي ما بدك، وماتت لا شافت مفتول ولا شافت ..

المراسلة: شفتيهم الصغار؟
السيدة سناء: شفتهم بالكفن.. فوق بعض حاطينهم.. كلهم.. أختي وكناينها وأولادهم الصغار، ابن سلفها لبتني إيده لقوها ثاني يوم.. ثاني يوم، ودفنوهم كل اثنين مع بعض.. مش كل واحد لحال، يعني دفنوا أختي وبنات بنتي الثنتين دفنوهم مع ستهم، ودفنوا الولد مع سيده، ودفنوا الأختين (بنات أختي) مع بعض
وثاني يوم دفنوا وفاء وابن عم زوجها (خمس سنين عمره) دفنوه معها وإيد ابن سلفها.. يعني وروّنا الويل اليهود.. وروّنا الويل، ولليوم ولحد اليوم وأحنا شايفين الأمرّين منهم.

المراسلة: طيب احكيلي عن تفاصيل الحادث الأول، لما رجلك انصابت فيه
السيدة سناء: آه.. نايمين، الساعة 2 بالليل قصفوا عند جيراننا، وأنا نايمة قبال باب الصالون، صحيت على بناتي بصرخوا والصغار.. لقيت باب الصالون واقع على رجلي، ورجلي صارت هالقد، ولو بدي أروح.. فش إسعاف يودّينا، صاروا الشباب إلّي في الحارة هم إلّي يطولوا الناس من تحت الردم، يطولوا الشهداء، وأنا ملقتش حتى إسعاف يوديني.. 

المراسلة: راح شهداء بالحادثة هديك؟
السيدة سناء: آه راح شهداء.

المراسلة: كم شهيد؟
السيدة سناء: عشرة شهداء راح.

المراسلة: من عيلتكم؟
السيدة سناء: من جيراننا.
وشارعنا مفيش فيه ولا دار.. ولا دار .. كله ردم كله، ولا دار ظلت في حارتنا، ومربعات مربعات يهدموا.

المراسلة: طيب الآن بعد ما نزحتي أنت على رفح، كيف بتدبروا أموركم؟
السيدة سناء: والله الله بعلم كيف بندبِّر أمورنا.. الله الوحيد إلّي بعلم، ابني معاه ولدين، ولد ولدته في الحرب وولد سنة و3 أشهر.

المراسلة: كيف تفاصيل ولادتها في الحرب؟
السيدة سناء: راحت عند مستشفى الإماراتي ولدت، وروَّحت على الخيمة، في الخيمة في طفل صغير أبو يوم..  في الخيمة في هالسقعة وبهالبرد، الله بعلم كيف ضبيناه ودبرنا حالنا.
بكيت البامبرز (فوط أطفال) بجيبه ابني بـ 170 شيكل.. 170 شيكل! وين يروحوا.. لا شغل ظل إلهم ولا ظل إلهم دور(بيوت) ولا ظل مأوى، ما ظل اشي.. ابني عريس جديد لسا بحاول يكوّن حاله ويسدد الديون إلّي عليه.. راح شغله، وهيو.. هيو قاعد.

المراسلة: طيب بدي أسألك وين شايفة البلد رايحة؟
السيدة سناء: وين رايحة! رايحة على جهنم البلد.. وين رايحة؟ مش رايحة على حدا.. زي ما هي.. فش أصلًا بلد ظايلة إلنا، لا ظايل إلنا دور (بيوت) ولا ظايل إلنا شغل، ما ظل إلنا اشي.. وين البلد راحية؟ للجحيم رايحة البلد..

المراسلة: ايش رسالتك للعالم؟
السيدة سناء: رسالتي للعالم! يشوفوا إلي شفناه يا رب.. بس يشوفوا إلّي شفناه، فش مسلمين أصلًا فش مسلمين برا.. أحنا هان بس المسلمين فش مسلمين يطّلعولنا.. لو في ذرة كرامة عند الواحد.. أطفال، نساء، شيوخ، كلهم من تحت الردم بطولوهم، أحيانًا أشلاء بطولوهم
الأطفال هدول بهالبرد لا إلهم هدمة (ثياب) يلبسوها، البرد أكلهم أكل، فش -الله يكرمك- في رجله الواحد شبشب (حذاء) يمشي.. حافيين. في الخيم طفت المية علينا.. غرقنا بفراشنا.. فش أكثر من هيك معاناة.

المراسلة: الله يهونها يا خالتي.
السيدة سناء: يا رب.      


الوسوم

شارك


المصادر


x