كان الحزن يملأ قلبي يا أصدقاء ولم تكن المسألة متعلقة بجسد أحدهم كي أتكئ عليه، أو أحتضن ذراعيه، أو يضم رأسي بين حدود كتفيه، بل كانت المسألة أكبر من ذلك فالطائرات الحربية في سماء غزة، صوت الصواريخ عالية، والكهرباء مفصولة، ولا شيء أمامي إلا أوراقي وكتبي المفتوحة، أمسكت قلبي قبل قلمي، ثم ذهبت أكتب في الظلام على دفتر من الألم، كتبت كثيراً، كثيراً جداً، حتى تورمت تلك المسافة القصيرة من الفراغ بين السبابة والأوسط من شدة احتضان القلم، لم أكن أطمح إلا لشيءٍ واحدٍ من كل تلك الخرابيش، ألا وهو (الدمع).

أجل إنه الدمع يا أصدقاء، الدمع الذي يُثبت لك أنك حيٌ ولا زلت تعيش، أنك عاطفي ولا زلت تقاوم، أنك وفيٌ ولا زلت تحيا، أنك إنسانٌ ولا زلتَ تشعر. 

كافحتُ طوال ليلةٍ كاملة بين صوت الصواريخ المحرمة دولياً؛ للحصول على كسرةٍ من الدمع، هذه الكسرة ليست ككسرة الخبز، فكسرة الخبز يستطيع الإنسان أن يأخذها ممن يشاء عنوةً أو اختيارا، وكسرة الدمع لا يستطيع أي إنسان أن يحصل عليها إلا بمنةٍ إنسانية ذاتية، لا يشرف عليها إلا القلب وما لديه من مخزونٍ على هيئة إحساس، فهنيئاً لكل منتصرٍ انتصر على تقلبات الكبرياء، هنيئاً لكل نقيٍ أعطى لدمعه عهدًا من الوفاء.

   لا ندري إن كانت الحرب ستغيبنا في ظلالها وتقضي علينا، أم أننا سنعود لأحبابنا مجدداً بعد انقضائها، ولكن إن كان لي من كلمات أخيرة أرغب بتدوينها تحت القصف الإسرائيلي المستمر على مدينتنا المحرومة من الماء والغذاء، الكهرباء والوقود، فأنا أرغب بتسجيل محبتي الدائمة لوالدتي إلى أن يأكل الدود جسدي، وكراهيتي الشديدة لجميع من كان بإمكانهم التدخل لإيقاف الحرب ولم يفعلوا والتزموا الصمت عندما ماتوا أطفالنا، لا عندما ناموا.

 ذكروا العالم دوماً أننا نحقد على إنسانيتهم العرجاء، ونلعن حياتنا ألف مرة لأجل ذلك الرهان الذي راهنّا فيه على أحد غير أنفسنا، بعد أن أصبح العالم بأسره يقف ساكناً ليرانا كيف نتقدم كقرابين تساق إلى حتفها على يد أقذر محتل عرفه التاريخ، فاللعنة على الجمع الصامتين حتى وإن كانوا فرداً، واحد تلو الأخر، في حياتنا وعلى مشارف ممات.

 نلتقيكم على خير يا أحباب، وإن لم نلتقيكم، فنحن على أملٍ بأن ينجو من بيننا فتى ليروي لكم ما بقي من الحكاية.. وداعاً

  • لقراء المزيد من التدوينات من داخل مدينة غزة خلال الحرب (اضغط هنا)
تشارك:

1 تعليق

  • Avatar روان
    روان
    30 ديسمبر، 2023 في 21:18

    أسأل الله ألا يحرمنا من صوتك و كتاباتك .أعلم جيدا كيف تكتبها بشغف و كيف انها كلفتك الكثير ؛وكل كلمة قلتها لك بها الف حق وحق؛ نسأل الله ان يهدي أمتنا ويوحد صفوفنا و أسأل الله ان يجبر خاطركم و يحميكم ويسلمكم من كل شر ويعوضكم بكل خير

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *