تعود قصة النزوح إلى المواصي منذ نكسة حزيران 1967، حيث تقول الجدات كيف اضطر سكان مدينة خانيونس أنذاك إلى النزوح إلى منطقة المواصي، والتي كانت مزروعة بالجوافة والخيار البلدي، ولم يكن معهم ما يأكلونه سوى بعض الدقيق الذي هربوا به آنذاك، فعجنوه وخبزوه، وتقول الرواية أيضا أن الجميع أصيب بالاسهال بسبب أكل الخيار، ولكنهم لم يطيلوا البقاء هناك، إذ عاد الجميع بعد أسبوع ليجدوا خانيونس وباقي قطاع غزة قد تمت السيطرة عليهم بشكل كامل وخضعت المدينة للاحتلال الاسرائيلي آنذاك.

هذه المرة عاد جيش الاحتلال ليطلب من أهالي خانيونس الذهاب إلى المواصي كمنطقة آمنة، المواصي تغيرت قليلا، صار فيها بنيان وشاليهات ومساجد وجمعيات فصارت ظروف الإقامة أفضل قليلا، وصارت تقسم إلى مناطق، وكل منطقة تمتاز بطبيعة إقامة مختلفة، وقد نزح معظم أفراد عائلتي الصغيرة والكبيرة إلى المواصي. ذاهبين من البيت إلى أراضيهم هناك، وإلى الشاليهات والمرافق المختلفة، لكن الجميع تكدس هناك في ظروف صعبة ومرهقة، وكان الانتظار أطول بكثير من فترة مكوثهم في حرب 1967.

قبل شهر سبتمبر من العام 2005، كانت هذه المناطق خاضعة للسيطرة الاسرائيلية كاملة، حيث كانت مكتظة بالمستوطنات، وبنى فيها المستوطنون مساحات زراعية و مشاريع، وذهب أبناء المدينة للعمل فيها كمزارعين، في أماكن تسمى “الكبنية” حتى اندحر الاحتلال بمستوطنيه وبذكرياته السيئة من هذه المدينة، لكنها بعد خروجه منها أصبحت منطقة زراعية متنوعة، تملأ سوق المدينة بما تجود به الأرض، وأهل الأرض.

وعادت المواصي، وكأن كلمة مواصي فيها من الوصاية. لتحتضن أهلها والنازحين إليها وتحنو عليهم، فينام البحر راضيا عليها، وهي تخبئ هؤلاء الخائفين بين أشجارها وفي بيوتها الصغيرة جدا، وفي الخيم التي نصبوها، عادت المواصي لتفتح ذراعيها من جديد، للذين ينظرون إلى بيوتهم باتجاه الشرق، وهم لا يعرفون مصير البيت ولضيوفها الذين جاءوا من كل مكان، فاتسعت أراضيها وهدأ البحر قليلا، حتى وجد أبناءه يتناثرون من خوفهم وفزعهم، حين مدت الغيلان أقدامها نحو نازحي المواصي، وبدأوا في حالة الشتات والتيه من جديد.

ولا تزال المواصي ترواغ الجغرافيا والعدو، وتحتمل ما بين الشمال والجنوب مساحات شبه آمنة، فيهرب إليها الخائفون من مكان إلى مكان، ومن بقعة إلى بقعة من شمال خانيونس حتى جنوب رفح، وتظل تحمل اسمها، وتحمل نازحيها، واللائذين إليها، وكأنها امرأة تهرب بصغارها من خوف إلى خوفه، وهي تعرف أن الخطر يحدق بهم، والبحر عاجز عن الحراك، قيم تمارس محاولاتها الأخيرة في حمايتهم، لتبقى تحمل رمزية من اسمها.

أيتها المواصي لا تخذلينا، واحتفظي بأمي وأخواتي وعائلتي وأحبتي بخير، وأعيديهم إلينا سالمين، فيكفي أنهم سيعودون إلى المدينة المحترقة والمجرفة المدينة التي اختطفوها من أهلها صباح الأول من ديسمبر، وأعادوها جثة هامدة..

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *