أشهر طويلة مرّت على آخر مرة كتبت فيها هُنا في هذه المدونة الإلكترونية التي تحمّلت عبء ذاكرتي وأخذت منّي أفكاري المُتعِبة والمُتعَبة وتقاسمتها مع من جاء به نصيبه ليقرأ هذه الكلمات. منذ ذلك الحين وأنا آتي هنا في كل مرة لأتفقد حالها، هل يا تُرى سئمت منّي وأغلقت نفسها أم ما زال يزورها أحد العابرين؟ 

مررت عليها اليوم لأطلع صديقة لي على مقالة عن المغني التركي أحمد كايا، فوجدت نفسي آخذها في جولة داخل صفحات المدونة، واعترفت أمامها وأمام نفسي للمرة الأولى، أن ما يدفعني للكتابة هو البحث عن الراحة، خاصة في حالة الاغتراب هذه التي لا تريد أن تنتهي، والتي عبّر عنها شاعرنا المُشترك محمود درويش بالقول: “الكتابة اقتراب واغتراب ويتبادلان الماضي و الحاضر.”

جولة صغيرة داخل هذه المساحة العشوائية كشفت لي أنني لم أكتب عن لحظات السعادة والفرح من قبل، كل ما أكتبه عن الحزن والوحدة وذكريات قديمة فقدت مع الوقت والاغتراب حالة الحنين إليها أو الرغبة في استمرار استذكارها، فقررت في حينه أن أودعها للمرة الأخيرة وأتركها في هذا الفضاء، وأعلم بداخلي أنه سيأتي اليوم الذي أحذف كل ما فيها وأبدأ مرحلة جديدة من البلادة قد تكون أقسى من ما كنت أظنه أقسى. 

انتبهت كذلك إلى أن غالبية ما كتبته هنا دونّته هنا كان في ليالي الدراسة للاختبارات الجامعية، وها أنا مستمرً في عادتي هذه الليلة، أكتب في مدونتي وأغلق كتبي بعدما حاولت أن أفرّغ ما تبقى من ساعات قليلة لهذا اليوم لاستجماع ما تراكم من دروس، وأعزي نفسي فيها بأنها ستكون آخر عهدي في هذه الجامعة، حيث سأتخلص منها بعد ثمانين يومًا بالتمام والكمال.

تحدثت طويلًا وكتبت كثيرًا في هذه التدوينة كما السنوات الأخيرة، أما الآن أقف على أعتاب المدونة، أحدق فيها وفي نفسي وأتساءل عن جدوى كل ما كتبت، فلا أجد سوى أنني كنت أحاول – كما الآخرين- النجاة من الغد الذي لا أعرف عنه شيء. ولذلك، إن وجدت برًا للأمان سأتوقف عن الكتابة، وإن لم أجد فسأبقى أحاول أن أمنع نفسي من الغرق، وأنجو بكتابتي هنا. 

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *