حبيبتي هي غزة، وهذه هي قصة الحب التي لا أخجل من روايتها أبداً، وأريد أن أحكي للعالم كله عنها، وأملأ صدى الكون بثلاثةِ أحرفٍ عصيّةٍ على الأبجدية: غ ز ة.

أحبُّ غزة حباً جمّاً، وأهدي لها كلَّ ورود العالم، وأنثرُ روحي شعراً لعينيها، وأغنّي لها أغاني الحب، حاملاً قيثارةً من ثورة، بينما تعزف غزة للعالم أناشيدَ الحرية بإتقان.

ارسم وجهَها مضيئاً على ورقٍ أبيض، بينما ترفع هي يديها حرةً لتشعرَ بالنسيم، ترفع ساعديها ملءَ السماء، ويرفرفُ شعرُها شراعاً كأنه عَلَمٌ يعانقُ الريح، آه، ما أجملَ حبيبتي غزة.

أكتبُ لغزةَ كلّ كلامِ العشاق في الحكايات، أسهرُ ليلَها وأنا أتأملها وهي تغمض عينيها لتنام، وأقرأ تعويذات الدنيا على رأسها الصغير، تصحو هي لتمسك يدي صباحاً فتنتشلني، ثم تدعوني إلى شرب فنجان قهوةٍ معها لتعطيني درساً هاماً في الحياة.

أرى أن أعلى الأشياءِ سحراً هو الجلوس صباحاً أمام نسيم بحرها، وأن تشربَ معها كأسَ الغروب، وأن نسير شباباً نغني من أولِ الشارع لآخره، وأن أكثر الأشياء طيشاً هو خروجي معها إلى تلةٍ لأشاهدها كاملةً، وأكثر الحب قيمةً هو حبُّها.

غزة تحبني أيضاً، فهي أخذتني في حضنها صغيراً، وعلمتني اللغةَ، لأكتب عنها الآن، تعلمتُ فيها العدّ، فعرفتُ أني لستُ رقماً.

غزة حكيمة جداً، فهي علمتني دروساً عامةً في الحياة، مثلاً أنّ الأصدقاء يرحلون سفراً أو موتاً، والآباء يسافرون بلا عودة، وأن الأمهات ينتظرن أبناءهن كثيراً دونما كلل.

ومن دروسها أيضاً، أنه في غزة يكون الموت قريباً جداً، والمسافة بين الوجود والعدم تساوي صفراً، ولكنها تطمئنني بحكمةِ أن الموتَ قريبٌ جداً، لأيِّ أحدٍ في العالم، وفي أيِّ وقتٍ من الزمان.

وهي من يدعوني لأن أرفعَ عن يديّ أصفادَ الخوف، وأزيلَ عن عينيّ عصبةَ السواد، وتمسحُ غزة على رؤوسنا جميعاً كلّ صباح لتعطينا معناها الخاص جداً من البدء في الحياة.

تتعبني ابتساماتُ أبنائها في صورهم بعد رحيلهم، فمن ينقذني إذن من وجوه أطفالها الشهداء؟ تقتلني وحدة الفاقدين بعد رحيل من يحبون، فتبقى غزة جروحها مفتوحة بلا التئام، فمن سيوقف هذا النزيف الأبديّ؟

كحبيبةٍ، فلقد أبكتني كثيراً طفلاً، ولوّعت قلبي شاباً، لكنها، أعطتني بحراً كاملاً، ومدىً لا متناهيا من الأزرق، ملأتْ رئتيّ بهوائها، ودخلت في دمي كلعنةٍ أبديةٍ جميلة.

يكذب أبناؤها على أنفسهم بأنهم لا يحبونها، فلا تصدقيهم، وإن غاب أبناؤك عنكِ جسداً، لا تغيبين عن بالهم، لا حلّ معك يا غزة دونك، ولا حلّ لهذا اللغز الغريب، دون أن تكون غزة هي المفتاح.

تأخذين كثيراً منّا يا غزة، ولكن، كعبارةٍ قديمة نقول لكِ: ما يذهب في الحب، لا يُحتسَب. خذينا يا غزة رماداً كي تصيري عنقاء كما تريدين.

تشارك:

1 تعليق

  • Avatar مرح
    مرح
    29 ديسمبر، 2023 في 01:46

    ما اجمل التعبير؛
    ” خذينا يا غزِة رماداً كي تصيري كالعنقاء”

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *