توقفتُ هذهِ المرّة عن عدِّ المرّات التي هَربنا بها من الموتِ تحتَ نيرانِ القَصف!
هذه هي المَرّة الحاديةَ عشرةَ بعدَ الساعةِ الخامسة فجرًا، صوتُ دباباتٍ يظهرُ فجأة..أتحسّسُ الصوتَ جيدًا وأُكذّبُ نفسي، رُبما أنا أتوَهّم، توجّهتُ لحمامِ المدرسةِ لأجهّزَ نفسي لصلاةِ الفجر، تأكدتُ حينها أكثر من أنَّ الدباباتِ حولنا وقريبةٌ منّا.

كانَ الأمرُ سريعًا، اخترقَ صوتُ القذائفِ قُلوبَنا، كُلّها كانت تتّجهُ نحوَ المدرسةِ التي نَحتمي بها، ثُمّ تَلاها صاروخ F16 دمّرَ جُزءًا من المدرسة..صُراخُ الأطفالِ اختلطَ بصُراخِ الكبار، كان انفجارًا ضَخمًا ومُخيفًا. في هذا الوقت وبعدَ أن يشتدَّ القصف، علينا مُغادرة المكان..علينا الرّكض في الشارع قبلَ أن تسقطَ قذيفةٌ فوقَ رؤوسِنا، علينا الهُروب من الموتِ للموت! علينا المُجازفة مرّةً أخرى.

كان الطريقُ مخيفًا وقصفُ الطائراتِ الحربيّةِ عنيفًا جدًّا، وكانت الحجارةُ تتساقطُ علينا في الشّارعِ بعدَ سُقوطِ صاروخٍ قريبٍ منّا! عِشنا الخوفَ كُلّه. هناك ما هو أصعبُ من الموتِ، هناك خوفٌ يأكلُ الرّوح! هناك رَكضٌ في الشوارعِ أصعبُ من الموت!

على عربةٍ يَجرُّها حمار، بعدَ أن تقطعَ نصفَ المسافةِ مَشيًا على الأقدام؛ نجلسُ كلُّنا نرى الدّمارَ من خلفِنا والدّخان المُتصاعد من المكانِ الذي خرجنا منه كأنّنا خرجنا للتوّ من فيلمٍ سينمائيّ، نحنُ الآن في هذه اللحظة نَجرُّ أذيالَ خوفِنا ولا نعرفُ أخبارَ من كانوا معَنا، جُلّ ما نعرفه أنّ علينا النجاةَ بأنفسنا، ففي الحرب لا وقتَ لتنتظرَ به أَحد،
لا صورةً تكفي لكلِّ الذي نعيشه في المدينة، لا مكانَ نحتمي به ولا نملكُ أعصابًا تحتملُ كُلّ ذلك..احبس أنفاسَك وتخيّل المَشهد!

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *