نتداول في النزوح يومياتنا البائسة وحكايات الأيام، فأخبر أخي أنني أكلت أكلة خبيزة “بترم العضم”، فيشخر ويسخر ويقول: اجا اليوم الي الخبيزة صارت فيه ترم العضم!

في الحقيقية ياعزيزي نعم، هذه الخبيزة جاءت بحديدها وفيتاميناتها وكل عناصرها الغذائية أفضل من شاحنة مساعدات عالقة على المعبر، أو طرد غذائي من طيارة تعمدت اسقاطه في البحر، جاءت الخبيزة بديلا للدجاج واللحم الذي يتم توزيعه بين المعارف “بالسر”، أو البيع بالأثمان الفاحشة، والأهم أنها أنقذت صديقتي غدير من المجاعة التي تطحنهم في غزة وشمالها.

لم نشترِ الخبيزة في حياتنا أبدا، كانت أمي تجمعها من الأرض البراح نظيفة خضراء لامعة طرية، بعد شتوية محترمة، وفي كل مرة ترسل طبخة لجارة أو قريبة، الأرض كانت تمتلئ بالخبيزة، وأمي كانت بصحتها، تقف تحت الشمس وتجمع أوراق الخبيزة، والآن لم يعد هناك أرض براح، وفقدت أمي قدرتها على الحركة.

كنا نتندر على أكلة الخبيزة، البعض يحبها أكثر من الملوخية، البعض يتعصب: إلا الملوخية، البعض يطبخها كما هي بأوراقها دون فرم، والبعض الآخر يفرمها ويضع عليها بعض المفتول، ويسمونها “مفتلة”، أما نحن فنأكلها كما هي بلا أية إضافات، خبيزة وفقط.

ومن باب رد الجميل إلى أهله، فإنني أفتخر كون هذه النبتة ابنة الأرض، لم تخن أبناءها، ولم تبالغ في إذلالهم، حفظت كرامتهم حين اشتدت المجاعة وجفت المنابع، وروت العطش والجوع، وصارت رمزا حيويا لمعاني البقاء، وبها عرفنا عدونا من صديقنا، فلا تعول ياعزيزي الغزي إلا على ما يخرج من الأرض، وما يتجذر فيها، وأما القادم من المعابر والأسواق، فماهي إلا كائنات مؤقتة، تروح وتجيئ، ولا يبقى معنا إلا أبناء الأرض الثكلى.

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *