في غزة الخضوع أسلوب حياة، من يعلو برتبة واحدة عنك يتعامل وكأنّه مالك وأنت عبده، وتجبر على معاملة من أعلى منك كما يريد لأنه لا مفرّ ولا حل آخر، فالحياة في غزة محدودة جدًّا، والآن في الحرب الجميع انتهوا وفقدوا قوتهم وفقدوا السيطرة على شعور “الأنا” وقلة الحيلة أنهتهم، يكره رجال ونساء غزة هذا الشعور، بل الجميع يكره هذا الشعور، فتحولوا بالمعنى الحرفي إلى “وحوش”، يخرجون من طورهم ليجرحوا من حولهم، يخترعون الحجج وقصص كاذبة لخلق موقف ينصرهم ليرضي غرورهم بأنهم حقًّا غير ضعفاء، وأنّ هناك مواقف تنصرهم.

أصبح الانتصار في عيونهم هو أخذ حصة أكبر من الطعام، وأخذ أسماء الآخرين في تعبئة الغاز، أو امتلاك مأوى متاح حتى لو كانت غرفة بلا باب، فيتعامل وكأنه سلطان! والتجار يرفعون كلّ يوم أسعار أساسيات الحياة من الخضار والأرز واحتياجات النساء؛ كأنهم يساعدون العدو في المجاعة، وهناك الأسوأ من هذا كله، وهو الذي يفرض سيطرته على ذويه بحِجة الغضب والتّفريغ، والذين يشاهدون الباطل ويتبعونه [أعني هنا من يفعل أمرًا باطلًا أصبح بطلاً يخاف الناس معارضته فيتبعونه هو والباطل]، أصبح هذا هو الانتصار في عيونهم.

لم تعد الناس تدعو الله لوقف إطلاق النّار بل تدعو بحصّة أكبر من الطعام أو المياه، كل هذا يوجد له مبرر، الطبيعي أن أرى هذا السوء والضعف من الناس، فهذه الحرب وكل حروب غزة السابقة جعلت الناس لا تفرّق بين الحق والباطل. الجميع في غزة بحاجة إلى علاج نفسيّ، كل ما يحدث معهم كسرهم وجعلهم أشخاص غير أسوياء، ما يبدر منهم هو أمر طبيعي لأنهم فقدوا جزءًا من عقولهم، وأؤكد أن الحرب في غزة ظلم وقهر ولا يحق للعدو شيئًا من الذي يرتكبه بحق غزة وشعبها، لكن إيماني في كل شيء في الحياة سابقًا والآن أنّ كل شيء يحدث لسبب. وربما من أحد أسباب الحرب في غزة هو أن نعيد ترتيب أولوياتنا لنحتقر الأرض أكثر ونعظم السماء ونعظم أنفسنا، ولنجعل هدفنا الوحيد في الدنيا هو عبادة الله وحمده.

لم ولن يكون شِدّة أكبر من الحرب لنرى من يحبنا بصدق ومن يتمنى لنا الخير ومن فَرِح بمصيبتنا ومن تجاهل وجودنا ومن يدفن في قلبه كرهًا وحقدًا وغيرة منّا، ومن يهون ومن يهول. يا الله كم جعلتنا هذه الحرب نخلع من حياتنا كل شيء مزعج بلا تردد وبلا تأثر! أصبح كل شيء بلا معنى، لم أعد أهتم لما أسمع وأرى..الجميع واحد والحياة واحدة، فاخترتُ نفسي على كل شيء، لا أتمنى إلا أن أنجو من غزة وأنا غير مختلطة بهذا المجتمع السيء والصعب، لا عتاب في الحرب لكن عَلِمنا الصديق والقريب والغريب بالاسم لا بالعدد.

تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *