حين طُلِب منا إخلاء بيوتنا بعد السابع من أكتوبر، رحنا نجهّز حقائبنا بالأوراق المهمة وبالأجهزة الإلكترونية المحمولة، إلى جانب القليل من الملابس.

قالت أمي: “ما تاخدوا كتير أغراض، أسبوع أسبوعين وبتخلص إن شاء الله”. فلا أحد في الوجود كان يعلم أننا بين ليلة وضحاها سنغدو في اليوم الثمانين للعدوان علينا. وبأن حاجزاً سوف يعزل الشمال عن الجنوب. وغزّة ليست شمالاً وجنوباً، بل هي علم الجهات. والجهات ست. جهة ندخلُ منها، وشرق، وغرب، وشمال، وجنوب، وجهة نخرج منها ولا نعود.

أما رحلة النزوح، فقد كانت تدريجية. في البداية نزح من يسكنون عند الحدود إلى وسط غزة، ثم أجبِرنا نحن وهم على النزوح باتجاه “الوسطى” فالجنوب. وهكذا إلى أن تكدّس سكان القطاع كلهم في مدينة رفح.

عندما كنا في مدينة الزهراء كان من السهل علينا أن نرجع إلى مدينة غزة، كنا نتفقد المنزل وأخي الذي قرر البقاء والصمود وحده. نجلس ساعات معدودات في البيت، ننظف، وأحياناً نعد الطعام. نأخذ ما ينقصنا، نحزم حقائب جديدة ونعود إلى حياة النزوح.

ثم فجأة نجد أنفسنا مجبرين على النزوح إلى وسط القطاع، تطول مسافة العودة إلى بيتنا، ثم يشتد القصف وننزح مرّة أخرى ولكن هذه المرة إلى آخر نقطة في القطاع: رفح.

تغدو المسافة أطول بيننا وبين غزة. يصير الرجوع صعباً، ثم مستحيلاً، ثم ممنوعاً. لقد علقنا في الجنوب! يزداد عدد الحقائب. يمتلئ مكان النزوح بمستلزمات بيتٍ جديدة. نكاد نتأقلم على الحياة هنا، فالنزوح روتين قاتل فيما المسافة إلى غزة تطول وتطول. كأنّ بيننا قارات وبحور.

 

تشارك:

1 تعليق

  • Avatar Israa
    Israa
    7 يناير، 2024 في 00:02

    “وغزّة ليست شمالاً وجنوباً، بل هي علم الجهات. والجهات ست. جهة ندخلُ منها، وشرق، وغرب، وشمال، وجنوب، وجهة ندخل منها ولا نعود.”

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *