كشف مدير مكتب صحيفة “العربي الجديد” في غزة الصحفي ضياء الكحلوت ظروف اعتقاله من قبل قوات الاحتلال في السابع من ديسمبر/ كانون الثاني الماضي من مدينة بيت لاهيا، وجاءت شهادته خلال لقاء صحفي مع التلفزيون العربي، قابله خلالها مراسل التلفزيون الصحفي صالح الناطور، وتم تفريغ هذه الشهادة نصيًا لتوثيقها من قبل محرر موقع “حكايا غزة”.

المراسل صالح الناطور: هنا نحاول أن نضيء أكثر على موضوع الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين. والذين اُحْتُجِزُوا خلال الفترات الماضية من مناطق التوغل والاجتياح البري في قطاع غزة. وهنا أستضيف الزميل الصحفي ضياء الكحلوت مراسل ومدير مكتب العربي الجديد في قطاع غزة. بداية ضياء. حمدا لله على سلامتك.. لو تحدثنا كيف تمت عملية الاعتقال؟. والمنطقة التي كنت توجَد فيها، ونعرج على ظروف اعتقالك بعدها.

الصحفي ضياء الكحلوت:

في تسعة ديسمبر اُعْتُقِلْت أنا وعدد كبير من المواطنين من مشروع بيت لاهيا. أنا أسكن في منطقة الكرامة غرب غزة. نزحت في اليوم الثاني للحرب إلى منزل أهلي في منطقة مشروع بيت لاهيا في شمال قطاع غزة في الأيام الأولى.

كان الوضع طبعا صعب في المنطقة. تفاجأنا في سبعة ديسمبر أن الجيش الإسرائيلي يقوم صباحا بالمناداة على المواطنين للخروج من منازلهم، أو من تبقى من المواطنين بالخروج من منازلهم.

حينها قمنا طبعا بالخروج من المنزل وبشكل طبيعي لم يكن هناك أي شيء يدعو للتوتر. قالوا من ثمانية عشر عاماً حتى ستين عاماً عليهم البقاء في المكان. أما ما دون ذلك ممن هم أكبر من ستين وأصغر من ثمانية عشر والنساء عليهم الخروج إلى مستشفى كمال عدوان.

سلمنا أنفسنا، وكنا نعتقد في البداية طبعا أن التحقيق ميداني وثم نعود. نحن لسنا على علاقة بأي شيء. تفاجأنا بعد ذلك بتجميع عدد من المواطنين والطلب منا بخلع جميع ملابسنا باستثناء الملابس الداخلية السفلى فقط.

حينها بدأت ملامح مشهد جديد من معاملة عادية إلى معاملة قاسية واتهامات بأننا عناصر من حركة حماس وغير ذلك نفينا ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بتسجيل نفينا ذلك كان معنا مواطنون يتحدثون اللغة العبرية تحدثوا مع الجيش أنه لا يوجد شيء، ونحن لسنا عناصر من حركة حماس، أنا شاهدت بعض الأسلحة يقوم الجيش بوضعها أمام المواطنين وتصويرها، لكن في المكان العام، وليس في المكان الضيق الذي كنا فيه. بعد قليل نُقِلْنَا إلى الشارع الرئيسي، ثم جيء بكل سكان المنطقة في المكان، وجاءت ثلاث شاحنات كبيرة للجيش الإسرائيلي، وأخذوها إلى موقع زيكيم العسكري.

في موقع زيكيم العسكري تم فرزنا إلى عدة أقسام. المفاجأة أني أنا واثنان من أشقائي خرجنا إلى منطقة الخروج. العودة إلى غزة في اللحظات الأخيرة يبدو أن العدد لم يكن كافيا للاعتقال. الجيش يريد مئة مثلا واعتُقل خمسين، فبدأ يعيدنا شيئا فشيئا.

تم إعادتنا إلى الاعتقال، وطلب الشاباك لقائي والتعريف عن نفسي. طبعا هو كان يعرف من أنا، فقلت له أنا ضياء الكحلوت أنا صحفي، أنا مدير مكتب العربي الجديد في غزة، ثم تحدث معي عن عملي في الجزيرة، قلتُ له صحيح أنا عشر سنوات عربي جديد وتسع سنوات في الجزيرة نت.

فقال لي تمام، اجلس
طبعا جلستُ على رمل مرتفع، وفي البداية وجه لي اتهام سخيف بأنني قيادي في حركة حماس، فضحكت فاُعْتُدِي عليّ لحظتها، وأن الضحك ممنوع، فقلت لا أنتمي لحركة حماس، حتى إنني كنت بدون لحية. هذه اللحية في السجن صارت. قال لي لا أنت حماس أنا قلت له أنا صحفي، وتحول التحقيق إلى صحفي. خلال هذا الوقت كان يبحث عني على جوجل، فجاء اسمي على جوجل في تقرير عن سيريت متكال في شرق خان يونس. إذا تذكر في العام ألفين وثمانية عشر، وتفاجأت أنه يدقق على التقرير ويطلب معلومات، ومن أين أتيت بهذه الأخبار والتفاصيل.

وذكرت لهم أنني أوردت في التقرير رواية الجيش الإسرائيلي أيضا أنه يقول لا يوجد من هذا الكلام وكذا، وكررت أنا صحفي مهني أشتغل من عشرين سنة، ولست مهتماً بهذه التفاصيل، وأنا لست عنصراً في الفصائل. لم يصدق، تم التهديد والوعيد، وسألني عن تقارير أخرى أيضا كنت أكتب تقريراً في صحيفة السفير قبل خمسة عشر عاماً حقق معي فيه تفاجأت!، وطبعا تركز جزء كبير من التحقيق في البداية على العربي الجديد، وانتقلوا إلى الأمور الأخرى، ثم يعني هو يريد آلية العمل في العربي الجديد، لمن العربي الجديد؟ ماذا نعمل؟ كيف نعمل؟ من ظروف التحقيق فهمت أنهم مستاؤون من التغطية التي كنا نقوم فيها، نحن كنا نقوم على مدار الساعة بتغطية المجازر الإسرائيلية بشكل كبير، كل شيء كان يحدث في غزة في الأيام التي سبقت الاعتقال كنا نغطيها ثلاثة مراسلين ومصور، كنا نغطي كل شيء في غزة تقريبا، وأنا تقريبا من الصحفيين القلة الذين كنت في غزة والشمال. كنت أصور بعض المجازر، وأرسلها إلى الصحفيين كي ينشروها؛ لأن الوضع صعب جدا وسيء.

في موقع زيكيم العسكري. أُخِذْنَا بعد ذلك عراة، ووضعنا بطريقة سيئة جدا فوق بعض المحتجزين، ونقلنا بشاحنة إلى موقع عسكري آخر لا أعرف ما هو، ومن ثم أخذونا في حافلات، كانت رحلة عذاب، المنطقة حصى في الأرض، وأُوقِعْت عليها، كلنا تعرضنا إلى جروح من هنا ومن هنا. أنا لدي جرح في قدمي لم يشف منذ ثلاثة وثلاثين يوما

أنا تعرضت لمسك من الرأس، وضُرِب رأسي في في الحديد، حديد الشاحنة التي تنقلنا الحمد لله، وانتقلت إلى موقع عسكري ضخم جدا بعد ساعتين تقريبا. وهو معسكر بركسات للتعذيب والاحتجاز كان فيها أسرى من قطاع غزة سابقا، ونحن افتتحناه يبدو جديداً.

كنا تقريبا مئة وخمسين شخصاً. ثاني يوم قاموا بتفريق أو ثالث يوم. وتم في اليوم التاسع التحقيق معي لأول مرة داخل السجن،
وأنا قدمت إفادة فقط، حتى أن الضابط الذي حقق معي قال لي لا يوجد شيء. لماذا أنت هنا؟ فقلت له لأني صحفي. فقال خير خير. طبعا كانت رحلة عذاب صعبة جدا. أنا جلست خمسة وعشرين يوماً على ركبتيّ. كان خمسة وعشرين يوماً قطعة من عذاب جهنم. أنت إذا غيرت اتجاه نظرك إلى كذا إلى اليمين أو اليسار تعاقب تُشبح ساعتين.

ثلاثة وثلاثون يوماً كنت مقيد اليدين هكذا بكلبشات الحديد وعينيّ معصوبة ثلاثة وثلاثين يوماً لا يمكن حتى أن ترفع رأسك إلا في الحمام أو عند النوم بشرط أن ترفع الغطاء عنك بالسرقة. حتى في النوم ممكن أن يجعلك تستيقظ. الأكل كان سيئ سبعة أيام أو ثمانية أيام كنا نأكل خبز عفن، أنا حولتها هذه المحنة إلى منحة، واتخذت قراراً بأن أقيم دايت والحمد لله نجحت بتنزيل عشرين كيلو من وزني والأمور مستمرة إن شاء الله أكثر من ذلك. كانت ثلاثة وثلاثين يوماً صعبة جدا. ليس علي فقط يمكن كان هناك تركيز علي في بعض الأوقات.

كان الشباب في بعض الأوقات مناهرين، فأنا أساعدهم أن يخرجوا من هذا الأمر

كنا نصحى الساعة أربعة الفجر حتى الساعة الحادي عشر في الليل، ونجلس على الركبتين في الأيام الأخيرة، الحمد لله كان الوضع أهون، أنا فهمت في الأيام السبعة الأخيرة بأنه سيفرج عني قريبا.

في آخر أيام طبعا حُقِّق معي مجددا على الصحافة وغيرها. في المرة الثالثة أُخِذْت إلى جهاز الشاباك، وهذا كان الأمر خطيراً جدا وصعباً. تم شبحي من الخلف على نحو سيئ لساعات طويلة، وقُلِعت ملابسي وظروف سيئة جدا بدون شيء.

كان موعد غداء، وقبل أن أستلم غدائي بثانية واحدة، أخذتني وحدة خاصة إسرائيلية، وكلبشت الأقدام والأيدي من الخلف، وتنزيل رأسي بشكل كبير. أخذوني في سيارة، ثم أنزلوني على حصى رغم الجروح وغير ذلك.

ثم بعد ذلك تغيير الملابس جميعا، ثم شبحوني. لا أعرف ثلاثة، ستة، سبعة. لا أستطيع أن أتذكر أي وقت. أنا لا أعرف ماذا اليوم، الآن لا أعرف ما هو اليوم أو الأيام الماضية، كنا نحزر، نفكر أنه اليوم الثلاثاء أو الأربعاء التاريخ واحد أو اثنين. نحن احتفلنا يوم الأحد أن واحد واحد ألفان وأربعة وعشرون تبين أن يوم الاثنين واحد واحد ألفان وأربعة وعشرون. أعتقد هكذا. كنا طبعا منقطعين عن العالم، منقطعين عن الدنيا. ظروف صعبة جدا وسيئة جدا وغاية في السوء. أنا تفاجأت أن الشباك عندما أخذني في المرة الثالثة لم يحقق معي طلب أبلغني أنه خلاص وأرجعوني على عنبر آخر غير الذي كنت فيه. هذا العنبر كان فيه بعض الليونة يعني عقوبات أقل عذاب أقل أكل أفضل ماء أكثر من الأول. تستطيع أن تقضي حاجتك بشكل أفضل من السابق، لكن العدد كبير.

قبل الإفراج عني بخمسة أيام جاء أشخاص غريبون ينظرون إلي. جاء وفد وصار ينظر إلي بشكل شخصي، فظننت أنه يوجد شيء.

نسيت شيئاً مهماً، في أحد الأيام تعرضت لتعذيب في الأيام الأولى السبعة ثمانية الأولى تعرضت للتعذيب، أنا فهمت لحظتها أن هناك حراكاً، وأن العربي الجديد فضاءات أو مؤسسات حقوقية والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والأمم المتحدة أن كلهم أصدروا بيانات ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، وأن هناك حملة ضد اعتقالي.

في اليوم الأول الذي صدرت هذه البيانات. أنا كنت أعذب. عُذِّبْت بشكل كبير في السجن، واُعْتُدِي علي بشكل واضح نتيجة هذا الأمر.

في الأيام السبعة الأخيرة أخذني الشاباك، ولم يحقق معي بعد شبح لمدة ست ساعات خمس ساعات. وقبل يوم واحد من الخروج في اليوم اثنان وثلاثون ساعات العصر جاءت مسؤولة السجن ونادت أسماء، نحن طبعا لم يبلغونا بالإفراج، ونادت أسماء هذه الأسماء سيفرج عنها، أنا تفاجأت أن اسمي آخر اسم الحمد لله في السجل.

طبعا بدون اسم أنا كان رقمي في السجن صفر خمسة تسعة ثمانية تسعة. كنا نتعامل بأرقام، فنادت علي قالت لي تقدر تمشي قلت لها نعم، فتفاجأت أنا يعني كنت تعبان منهار وجاءني الفرج بشكل كبير لأني أنا لا أعرف ماذا في الخارج، سمعنا روايات أنه أهلي مستشهدين كلهم الحمد لله يعني الله يرحمهم.

والد زوجتي استشهد فقط سمعنا أن الوضع صعب، وكل يوم هناك رواية مختلفة والناس لا تعرف الرواية الحقيقية، فأنا انهارت أعصابي في السجن، سجدت شكرا لله وبكاء شديد، فقالت أحضر لك دكتور؟
قلت لها: لا أنا ممتاز، قالت لي: تمام.

ثاني يوم طبعا الفجر الساعة ثلاثة الفجر كنت أنهيت اليوم الثالث والثلاثين، وأدخل في اليوم الأربعة وثلاثين. الساعة ثلاثة الفجر كلبشونا طبعا نادوا أربعين اسم وللأسف أخذوا ثلاثين اسم عشرة أسماء رحلوهم ليوم ثاني.

كلبشتنا من الخلف ساعة ونصف كان أجمل عقاب رأيته في السجن؛ لأنه عقاب ستخرج بعده، ومُنِحْنَا خمس دقائق لتغيير الملابس،
وبعد ذلك إلى الحافلات. كان يحب أن تضع يدك مضغوطة إلى الخلف، وأنت تنزل رأسك كثيرا، وأن تكون صامتاً بدون حركة ولا شيء؛ لأنك قد تتعرض للتعذيب.

ثلاث ساعات تعرضنا فيها للمشي في إسرائيل، أنا أعتقد أن الموقع العسكري الذي كنا فيه لا يبعد عشرين كيلومتراً عن شرق مدينة رفح، لكننا تعرضنا لثلاث ساعات لفلفة في إسرائيل، ومن ثم أخذونا إلى موقع كرم أبو سالم لمعبر كرم أبو سالم التجاري. أنزلونا من الموقع، وطلبوا منا أن نمشي سيرا على الأقدام، طبعا فكوا القيود لأول مرة نهائيا وفك العصب نهائيا، أصبحنا نرى كل شيء والحرية موجودة، لكن طبعا اليد حتى الآن أشعر أنها مكبلة. والليلة حدث معي كأنني سمعت النداء على الأسرى، نحن كل ليلة نخرج أربع مرات للنداء ينادى اسمك، لم أعرف أن أنام الليلة، حاولت أن أنتقل من اليمين إلى اليسار، فوضعت يدي هكذا (يقصد أيدي مكبلة) حتى لا أجرح، ولكن تبين أنني أني خارج السجن

المقابلة كاملة
تشارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *